خلق رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلم
و سألت عائشة أم المؤمنين عن خلق رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن و إن اللّٰه أثنى عليه بما أعطاه من ذلك فقال وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ.
من شرط المنعوت بالتصوف أن يكون حكيما
و من شرط المنعوت بالتصوف أن يكون حكيما ذا حكمة و إن لم يكن فلا حظ له في هذا اللقب فإنه حكمة كله فإنه أخلاق و هي تحتاج إلى معرفة تامة و عقل راجح و حضور و تمكن قوي من نفسه حتى لا تحكم عليه الأغراض النفسية و ليجعل القرآن أمامه صاحب هذا المقام فينظر إلى ما وصف الحق به نفسه و في أي حالة وصف نفسه بذلك الذي وصف نفسه و مع من صرف ذلك الوصف الذي وصف به نفسه فليقم الصوفي بهذا الوصف بتلك الحال مع ذلك الصنف فأمر التصوف أمر سهل لمن أخذه بهذا الطريق و لا يستنبط لنفسه أحكاما و يخرج عن ميزان الحق في ذلك فإنه من فعل ذلك لحق =بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فإن اللّٰه لا يقيم له يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَزْناً كما أنهم لم يقيموا للحق هنا وزنا فعادت عليهم صفتهم فما عذبهم بغيرهم
ان اللّٰه تعالى لم يذكر في القرآن صفة قهر و شدة إلا و إلى جانبها صفة لطف و لين.
فتأمل قوله تعالى في كتابه فإنه ما ذكر صفة قهر و شدة إلا و إلى جانبها صفة لطف و لين حيثما كان من كتاب اللّٰه ثم إن أفرد صفة منها و لم يذكر إلى جانبها ما يقابلها أطلبها تجد مقابلها في موضع آخر مفردا أيضا فذلك المفرد المقابل هو لهذا المفرد المقابل و الغالب الجمعية قال تعالى نَبِّئْ عِبٰادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ثم أردف بالمقابل فقال تعالى وَ أَنَّ عَذٰابِي هُوَ الْعَذٰابُ الْأَلِيمُ و قال إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقٰابِ ثم أردف بالمقابل فقال وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ و قال وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ ثم أردف فقال وَ إِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقٰابِ و تتبع هذا تجده كما ذكرناه لك.
ان اللّٰه لم يذكر في القرآن نعتا من نعوت أهل السعادة إلا و ذكر إلى جانبه نعتا من نعوت أهل الشقاء.
ثم إنه ما ذكر نعتا من نعوت أهل السعادة إلا و ذكر إلى جانبه نعتا من نعوت أهل الشقاء إما بتقديم أو تأخير قال تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضٰاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ في أهل السعادة ثم عطف فقال وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهٰا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهٰا قَتَرَةٌ أُولٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ و قال تعالى في حال أهل السعادة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ ثم عطف فقال في أهل الشقاء وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بٰاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهٰا فٰاقِرَةٌ و الوجوه هنا عبارة عن النفوس الإنسانية لأن وجه الشيء حقيقته و ذاته و عينه لا الوجوه المقيدة بالأبصار فإنها لا تتصف بالظنون و مساق الآية يعطي أن الوجوه هنا هي ذوات المذكورين و قال في الأشقياء وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خٰاشِعَةٌ عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ تَصْلىٰ نٰاراً حٰامِيَةً ثم عطف بالسعداء فقالوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاعِمَةٌ لِسَعْيِهٰا رٰاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عٰالِيَةٍ و قال في أحوال السعداء فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ فذكر خيرا ثم عطف و قال وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِشِمٰالِهِ فذكر شرا و كذلك قوله مَنْ كٰانَ يُرِيدُ الْعٰاجِلَةَ عَجَّلْنٰا لَهُ فِيهٰا مٰا نَشٰاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنٰا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاٰهٰا ثم عطف و قال وَ مَنْ أَرٰادَ الْآخِرَةَ وَ سَعىٰ لَهٰا سَعْيَهٰا و قال في العناية فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا ثم عطف فقال وَ تَقْوٰاهٰا و قال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا ثم عطف وَ قَدْ خٰابَ مَنْ دَسّٰاهٰا و قال فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرىٰ ثم عطف و قال وَ أَمّٰا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنىٰ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرىٰ فالصوفي من قام في نفسه و في خلقه قيام الحق في كتابه و في كتبه ف مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فقد رميت بك على الطريق و ليس التصوف بشيء زائد عند القوم سوى ما ذكرته لك و بينته و لكن اللّٰه أنزل الميزان و العلم بالمواطن و بالأحوال فلا تخرج شيئا عن مقتضى ما تطلبه الحكمة وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مٰا هُوَ شِفٰاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فالتخلق به و الوقوف عنده يزيل المرض النفسي لا بد من ذلك و لكن للمؤمنين وَ لاٰ يَزِيدُ الظّٰالِمِينَ إِلاّٰ خَسٰاراً لأنهم يعدلون به عن موطنه و يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ فيعممون الخاص و يخصصون العام فسموا ظالمين قاسطين و الحكماء هم المقسطون و من أوتي الحكمة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً و ما وصفه اللّٰه بالكثرة فإن القلة لا تدخله و سبب وصفه بالكثرة لأن الحكمة سارية في الموجودات لأن الموجودات وضع اللّٰه ثم خلق الإنسان و حمله الأمانة بأن جعل له النظر في الموجودات و التصرف فيها بالأمانة ليؤدي إلى كل ذي حق حقه كما إن اللّٰه أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فجعل الإنسان خليفة في الأرض دون غيره من المخلوقين فهو أمين على خلق اللّٰه فلا يعدل بهم عن سنة اللّٰه فالموجودات بيد الإنسان أمانة عرضت عليه فحملها فإن أداها فهو الصوفي و إن لم يؤدها فهو الظلوم الجهول و الحكمة تناقض الجهل و الظلم فالتخلق بأخلاق اللّٰه هو التصوف و قد بين العلماء التخلق بأسماء اللّٰه الحسنى و بينوا مواضعها و كيف تنسب إلى الخلق و لا تحصى كثرة و أحسن ما تصرف فيه مع اللّٰه خاصة فمن تفطن و صرفها مع اللّٰه أحاط علما بتصريفها مع الموجودات فذلك المعصوم الذي لا يخطئ أبدا و المحفوظ من أن يتحرك أو يسكن سدى جعلنا اللّٰه من الصوفية القائمين بحقوق اللّٰه و المؤثرين جناب اللّٰه.