فأما ظهورهم بالبدع فله أصول ثلاثة:
أولها: نقص الإيمان بعدم العلم بحرمة الشارع، وفقد نور الإيمان الهادي إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} وقال أحمد بن حضرويه رضي الله عنه: الدليل لائح والطريق واضح، والداعي قد أسمع، فما التحير بعد هذا إلا من العمى، وقال ابن عطاء الله رضي الله عنه في حكمه: لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك، وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك، وقال أيضا: تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال، وقال بعضهم: نحت الجبال بالأظافير أيسر من زوال الهوى إذا تمكن، قال الله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} ، وقوله تعالى:{فمن يهديه من بعد الله} يعني أن الأسباب والحيل لا تفيد في هدايته لتمكن الباطل من نفسه، وفقدان نور الإيمان من قلبه، {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} .
الثاني: الجهل بأصول الطريقة، واعتقاد أن الشريعة خلاف الحقيقة، وهذا هو الأصل الكبير في ذلك، وهو من مبادئ الزندقة، ومنه خرجت الطوائف كلها، وصار الفروعي الجامد لا يتوقف في سب الصوفية، والمتصوف الجاهل لا يتوقف في النفور من العلم وأهله، ويخالف ظاهر الشريعة في أمره، ويرى ذلك كمالا في محله، حتى لقد سمعت عن بعض من تفقر من طلبة الوقت يحكى أنه سمع حكاية من حكايات الخارجين أوجبت أثرا في الوجود، فنطق ناطق زندقته وجهله، بأن قال: ظاهر الشريعة حرمان، وهذا والعياذ بالله كفر وضلال، انجر له من جهله بالطريقة واعتقاده الفرق بين الحقيقة والشريعة، وهذا هو الأصل الذي بنى عليه المارقون أصولهم، واستظهرت الطوائف بأعمال خارجة عن الدين، وأحوال موافقة للمارقين، فحمل الصادق على الكاذب، والمصيب على الخائب، ووقع الكل في جهالة لا يمكن تفصيلها، ولا ينضبط تأصيلها، ودفع ذلك لا يكون إلا بتقرير أصول القوم وسنفرد لها فصلا بعد إن شاء الله تعالى.
الثالث: حب الرياسة والظهور مع الضعف عن أسبابها والقصور، فيضطرهم ذلك لإحداث أمور تستميل القلوب، لكونها مجبولة على استحسان الغريب مع جهلها بما يشين ويرب، وحرصها على الخير، وظهور هذا الشخص بصورة ذلك، وحقائق منه مع ما يجري على يديه من خوارق شيطانية، أو يبدو لتابعيه من لذة نفسانية، أو يدركه من أذواق طبيعية، يظنها فتوحا وأسباب وصول، فينبذ بها الفروع والأصول، مع ما يعينه على ذلك من احتقار الأمور المألوفة، واعتقاده أن المقام العجيب لا يدرك إلا بالأمر الغريب، وأن العبادات في صورها ووجوهها لا تفيد المقصود إلا بإضافة أمر إليها، فينقاد لذلك عند ظهوره ويعمل به، فيجتهد بذلك ويتقوى عليه بما يظهر له من ذلك، وما هو إلا الجهل والانقياد للوهم، وعدم التثبت والفهم، نسأل الله السلامة.
عدة المريد الصادق