هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجي الأنصاري المرسي، تولّد في مدينة مرسية فيالأندلس عام 616 هـ الموافق 1219م ومنها حصل على لقبه المرسي، . يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة كان جده الأعلى قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر من قبل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب سنة 366 هـ .
كان والده يعمل في التجارة مما مكنه من إرسال إبنه إلى. معلم لتعلم القراّن الكريم والتفقه في أمور الدين وقد حفظ القراّن الكريم كله في سنة واحدة وتعلم بالأندلس أصول الفقه والقراءة والكتابة.
نشأ في بيئة صالحة أعدته للتصوف. في عام 640هـ الموافق 1242م اعتزم والده الحج إلى بيت الله الحرام فصحبه معه وكذا أخيه وأمهما، فركبوا البحر عن طريق الجزائر حتى إذا كانوا على مقربة من شاطىء تونس هبت ريح عاصفة أغرقت المركب بمن فيها غير أن عناية الله تعالى أدركت أبا العباس المرسي وأخاه فقد نجيا من الغرق فقصدا تونس وإتخذاها دارا ً لهما. وهناك قابل الشيخ أبو الحسن الشاذلى فى عام 640هـ وانتقل معه الى مصر عام 1244م.
لقائه بالامام أبو الحسن الشاذلى
تلقَّى أبو العباس المرسي التصوف على يد شيخه سيدي أبي الحسن الشاذلي الذى التقى به أبو العباس في تونس سنة 640 هجرية .
قال الإمام المرسي : "لما نزلت بتونس وكنت أتيت من مرسية بالأندلس وأنا إذ ذاك شاب سمعت بالشيخ أبا الحسن الشاذلي فقال لي رجل نمضي إليه فقلت حتى أستخير الله، فنمت تلك الليلة فرأيت كأني أصعد إلى رأس جبل فلما علوت فوقه رأيت هناك رجلا ً عليه بُرنس أخضر وهو جالس عن يمينه رجل وعن يساره رجل فنظرت إليه فقال عثرت على خليفة الزمان قال فإنتبهت فلما كان بعد صلاة الصبح جاءني الرجل الذي دعاني إلى زيارة الشيخ فسرت معه فلما دخلنا عليه رأيته بالصفة التي رأيته بها فوق جبل زغوان، فدهشت فقال الشيخ أبا الحسن الشاذلي : عثرت على خليفة الزمان، ما إسمك ؟ فذكرت له إسمي ونسبي فقال لي رفعت إليْ منذ عشر سنين " .. ومن يومها وهو يلازم الشيخ أبا الحسن الشاذلي ورحل معه إلى مصر.
في عام 642 هجرية، 1244م , رأى الشاذلي رضي الله عنه في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالإنتقال إلى الديار المصرية فخرج من تونس ومعه أبو العباس المرسي وأخوه عبد الله وخادمه أبو العزايم ماضي قاصدين الأسكندرية على عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب قال الإمام المرسي رضي الله : كنت مع الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه ونحن قاصدون الأسكندرية حين مجيئنا من تونس فأخذني ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله فأتيت الشيخ أبا الحسن فلما أحس بي قال يا أحمد ؟ قلت نعم يا سيدي فقال اّدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته ثم نزله به إلى الأرض قبل أن يخلقه بقوله إني جاعل في الأرض خليفة ما قال في السماء أو الجنة فكان نزول اّدم عليه السلام إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة فإن اّدم عليه السلام كان يعبد الله في الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف، فإذا توافرت فيه العبوديتان إستحق أن يكون خليفة وأنت أيضا لك قسط من اّدم كانت بدايتك في سماء الروح في جنة التعريف، فأنزلت إلى أرض النفس تعبده بالتكليف، فإذا توفرت فيك العبوديتان أستحققت أن تكون خليفة.
قال الشيخ أبو العـباس رضي الله عنه : فلما إنتهى الشيخ من هذه العبارة شرح الله صدري وأذهب عني ما أجد من الضيق والوسواس.
و في عام 656هـ. (1258م.) اعتزم الشيخ أبو الحسن الشاذلي الحج فصحب معه جماعة من إخوانه و علي رأسهم أبو العباس المرسى و أبو العزائم ماضي و في الطريق مرض مرضا شديدا فمات رضي الله عنه و دفن بحميثرة من صحراء عذاب و هي في الجنوب من أسوان علي ساحل البحر الأحمر.
و لما أدى الشيخ أبو العباس فريضة الحج بعد وفاة شيخه عاد إلي الإسكندرية فتصدر مجالسه وأخذ شانه في الارتفاع و ذاع صيته فأمه الطلاب و المريدون من جميع البلاد و رحل إليه الزوار و ذوو الحاجات من جميع الأقطار و توافد عليه العلماء و الأمراء و الأغنياء و الفقراء.
وقد تولَّى أبو العباس مشيخة الطريقة الشاذلية بعد وفاة أبي الحسن الشاذلي سنة 656 هجرية / 1258م وكان عمره آنذاك أربعين سنة وظلَّ يحمل لواء العلم والتصوف حتى وفاته، بعد أن قضى أربعةً وأربعين عاماً في الإسكندرية، سطع خلالها نجم الطريقة الشاذلية فى الآفاق.
أقام الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه بالأسكندرية 43 عاما ينشر العلم و يهذب النفوس ويربي المريدين ويضرب المثل بورعه وتقواه وقد تلقى العلم على يدي أبو العباس وصاحبه الكثير من علماء عصره كالإمام البوصيري و ابن عطاء الله السكندري و ياقوت العرش وإبن اللبان و العز بن عبد السلام و إبن أبي شامة .. و غيرهم .
من أقواله رضي الله عنه:
- قال : ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر ، وهو مزج القلب بالله
- يقول: كل سوء أدب يثمر لك أدباً فهو أدب.
- قال :الطي علي قسمين طي أصغر وطي أكبر ، فالطي الأصغر لعامة هذه الطائفة ، أن تطوي لهم الأرض من مشرقها إلي مغربها في نفس واحد والطي الأكبر طي أوصاف النفوس .
- قال رضي رضي الله عنه في قول سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم" أنا سيد ولد أدم ولا فخر " : أي لا فخر بالسيادة و إنما أفتخر بالعبودية لله سبحانه وتعالي.
- قال : لي أربعون سنة ما حجبت طرفة عين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولو حجبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما عددت نفسي من جملة المسلمين.
- قال : والله ما جلست بالناس حتي هددت بالسلب وقيل لي لئن لم تجلس لسلبتك ماوهبناك.
- قال : الأكوان كلها عبيد مسخرة ، و أنت عبد الحضرة.
- قال : قد يكون الولي مشحوناً بالعلوم، والمعارف، والحقائق لديه مشهورة حتى إذا أعطى العبارة كان كالإذن من الله تعالى في الكلام، ويجب أن تفهم أن من أذن له في التعبير جلت في مسامع الخلق إشاراته.-كان يقولكلام المأذون له يخرج، وعليه كسوة، وطلاوة، وكلام الذي لم يأذن له يخرج مكسوف الأنوار.
- يقول: من أحب الظهور فهو عبد الظهور، ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء، ومن كان عبد الله فسواء عليه أظهره أو أخفاه، وكان رضي الله عنه.
- يقول: لم يزل الولي في كل عصر لا يلقي أكثر الناس إليه بإلا حتى إذا مات قالوا: كان فلان.-كان يقول من صحب المشايخ على الصدق وهو عالم بالظاهر ازداد علمه ظهوراً.
- يقول: لا تطالبوا الشيخ بأن تكونوا في خاطره بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ في خاطركم فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونون عنده.
- يقول : شاركنا الفقهاء فيما هم فيه، ولم يشاركونا فيما نحن فيه
- يقول : معرفة الولي أصعب من معرفة الله عز وجل فإن الله تعالى معروف بكماله، وجماله وحتى متى تعرف مخلوقاًمثلك يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب
- يقول: إذا رفعك إلى محل المحاضرة، والشهود المسلوب عن العلل فذاك مقام التعريف، والإيمان الحقيقي، وميدان تنزل أسرار الأزل، وإذا أنزلك إلى محل المجاهدة، والمكابدة فذاك مقام التكليف المقيد بالعلل، وهو الإسلام الحق وميدان تجلى حقائق الأبدية، والمحقق لا يبالي بأي صفة يكون.
- يقول: لن يصل الولي إلى الله تعالى حتى ينقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى أي انقطاع أدب لاانقطاع ملل لغلبة التفويض على قلبه.
- يقول: إن الله تعالى جعل الآدمي ثلاثة أجزاء فلسانه جزء، وجوارحه جزء، وقلبه جزء، وطلب من كل جزء وفاء، فوفاء القلب أن لا يشتغل بهم رزق، ولا مكر، ولا خديعة، ولا حسد، ووفاء اللسان أن لا يغتاب، ولا يكذب ولا يتكلم فيما لا يعنيه ووفاء الجوارح أن لا يسارع بها قط إلى معصية، ولا يؤذي بها أحداً من المسلمين فمن وقع من قلبه فهو منافق، ومن وقع من لسانه فهو كافر، ومن وقع من جوارحه فهو غاص
وفاته رضي الله عنه:
توفي في 25 ذو القعدة سنة 686 هـ ودفن في الإسكندرية في مقبرة باب البحر .. وكان هذا الموضع وقت وفاته، جبانةً يُدفن فيها الأولياء.