المحبّة في الحب الخاص رتبة تنال بعد تحصيل المحبّة المحصّلة بطريق الحب العام،لهذا فهي فضلا عن تحقيق مواصفات الحب العام، تحقّق تجاوزها برتبة قوامها حب الذات عن مطالعة الروح،فهي ليست من قبيل الحب الذي معدنه العلم بالآلاء و النعماء فقط،بل يتجاوزه لينال بطريق مطالعة روحية تطالع بموجبها الروح الذات و تتولّد عنها حبّها والتعلّق بها،فهي معرفة كشفية قلبية جوانية، وهو الحب الذي فيه السكرات،وهو محض كرم و اصطفاء من الله عزّ وجلّ يصطنعه الله الكريم لعبده، و هذا الحب يكون من الأحوال،لأنّه محض موهبة ليس للكسب فيه مدخل، وهو مفهوم من قول النبي (صلى الله عليه وسلّم):"أحبّ إليّ من الماء البارد"لأنّه كلام عن وجدان روح تلتذ بحب الذات، وهذا الحب روح،و الحب الذي يظهر عن مطالعة الصفات ويطلع الإيمان قالب هذا الروح،و لما صحّت محبّتهم هذه أخبر الله تعالى عنهم بقوله"أذلّة على المؤمنين" لأنّ المحب يذل لمحبوبه و لمحبوب محبوبه،و ينشد:
لعين تفدّى ألف عين وتتقى و يكرم ألف للحبيب المكرم
و الحب الخالص أصل الأحوال السنية وموجبها،بحيث لا يتصوّر الترقي في سلم الأحوال أو المقامات بغير الحب،فالحب شرط أساسي للترقي،وفقده مفضي إلى فقد الصعود في سلّم المقامات والأحوال، و الحب في الأحوال كالتوبة في المقامات، فمن صحّت توبته على الكمال تحقق بسائر المقامات من الزهد و الرضا و التوكل،وكذلك من تحقّق بالحب على الكمال تحقق بالأحوال فمن حال المحاسبة إلى مقام المحاسبة،ثمن منها إلى حال المراقبة لتصبح مقام المراقبة،ثم بالجهد تتحوّل بنازلة المشاهدة إلى حال المشاهدة وبالمداومة عليها تصير مقام المشاهدة...لهذا قال:"من صحّت محبته تحقق بسائر الأحوال من الفناء و البقاء والصحو والمحو و غير ذلك.
و الحب الخالص أن يحب العبدُ الله تعالى بكليته، و ذلك أنّ العبد قد يكون في حال قائما بشروط حاله بحكم العلم،و الجبلة تتقاضاه بضد العلم،مثل أن يكون راضيا و الجبلة قد تكره،و يكون النظر إلى الانقياد بالعلم لا إلى الاستعصاء بالجبلة،فقد يحب الله تعالى و رسوله بحكم الإيمان،و يحب الأهل و الولد بحكم الطبع.