وأما علاج هوى القلب إذا تمكن فهو صعب وهو الداء العضال الذي أعضل الأطباء أي أعجزهم وحبسهم عن علاجه فلا يزيد الدواء إلا تمكنا وإنما يخرجه وارد إلهي بعناية سابقة بواسطة أو بغير واسطة كما أشار إلى ذلك بقوله:
" لا يخرج الشهوة من القلب إلاخوف مزعج أو شوق مقلق"
قلت الشهوة إذا تمكنت من القلب صعب علاجها فلا يمكن خروجها في العادة إلا بوارد قهري جلالي أو جمالي، فالوارد الجلالي هو خوف مزعج فيزعجك عن شهوتك ويخرج عن وطنك وأهلك، والوارد الجمالي هو شوق مقلق فيقلقك عن مراداتك وحظوظك فينسيك نفسك ويؤنسك بربك، ولأجل صعوبة هذا المرض كان أشد حجابا عن الله العلماء ثم العباد ثم الزهاد، لأن هذه الشهوة خفية لأن صاحبها "أضله الله على علم..." الآية فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أي أضلهم عن طريق الخصوص وبقوا في طريق العموم، أما العملاء الظاهريون فهم يعتقدون انه لا فضيلة فوق علمهم حتى أني سمعت من بعضهم يقول أن مقام الإحسان هو مقامهم الذي هم فيه من العمل بظاهر الكتاب والسنة ولا مقام فوق ذلك، فكيف يمكن إخراج هذا إلا بعناية سابقة، وأما العباد والزهاد فهم يقولون أيضاً هذه غاية المحبة والطاعة ويزيدهم بعدا ما يرونه من الكرامات الحسية فيزدادون حجابا وتمكنا في حالهم، وأما العوام وأهل الغفلة فهم أقرب الناس إلى الانقياد والنفوذ إلى ربهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال:" أكثر أهل الجنة البله" أي المغفلون، ومما يدلك على أن الشهوة القلبية اصعب من الشهوة النفسية قصة آدم والشيطان، فإن آدم عليه السلام كانت شهوته في بطنه فتداركه الله بعنايته، والشيطان كان شهوته في قلبه قال:" أنا خير منه" فجرد إلى يوم القيامة.
ثم اعلم أن الخوف على قسمين: خوف العوام وخوف الخواص.
خوف العوام من العقاب والعذاب وخوف الخواص من القطيعة والحجاب.
والشوق أيضاً على قسمين: شوق العوام للحور والقصور وشوق الخواص للشهود والحضور.
شوق العوام لنعيم الأشباح وشوق الخواص لنعيم الأرواح.
شوق العوام ناشئ عن قوله تعالى:" أعد الله للمؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن".
وشوق الخواص ناشئ عن قوله تعالى:" ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم" فإذا دخل الخوف أو الشوق إلى القلب أخرج كل ما فيه من الأغيار وملئ بالمعارف والأنوار، فحينئذ تخلص الأعمال وتزكوا الأحوال ويقبل عليه ذو العظمة والجلال.
إيقاظ الهمم في شرح الحكم