"سُبْحانَ مَنْ لَمْ يَجْعلِ الدَّليلَ على أولياؤِه إلا مِنْ حَيثُ الدَّليلِ عَلَيهِ وَلمْ يوصِلْ إليهمْ إلا مَنْ أراد أَنْ يوصِلَهُ إليهِ".
الدليل هو الموصل للمطلوب فإذا صار الحق تعالى بك إلى ولي عارف به ودلك عليه فقد سار بك إلى معرفته ودلك عليه ، فمهما دلك على وليه وأطلعك على سره فقد دلك عليه قطعا ووصلك إلى حضرته سريعا ، فلم يجعل الحق سبحانه الدلالة على أوليائه والوصول إليهم إلا من جهة الدلالة عليه ولم يوصل أحدا إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه فلأجل هذه الملازمة وعدم الانفكاك تعجب الشيخ من ذلك ، وقال شيخنا رضي الله عنه في قول المؤلف رضي الله عنه: وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به، قال : وصولك إليه وصولك إلى عارف به يعني مهما وصلك إلى عارف به وأطلعك عليه فقد وصلك إليه ، ومهما حجبك عن العارفين به فقد حجبك عنه ، فلا طريق إلى معرفة الله إلا من طريق معرفتهم ولا دليل على الله أعني على معرفته الخاصة العيانية إلا من حيث الدليل عليهم ، وكما حجب الحق سبحانه ذاته المقدسة بعزته و قهريته كذلك حجب أولياؤه بما اظهر عليهم من أوصاف البشرية فلا يعرفهم إلا من سبقت له العناية الربانية إذ لايعرف الخواص إلا الخواص . قال في لطائف المنن : أهل الله من خاصة عباده هم عرائس الوجود والعرائس محجوبون عن المجرمين فهم أهل كهف الإيواء فقليل من يعرفهم ، وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : معرفة الولي أصعب من معرفة الله فان الله معروف بكماله وجماله ومتى تعرف مخلوقا مثلك يأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب ،ثم قال : وإذا أراد أن يعرفك بولي من أولياؤه طوى عنك شهود بشريته وأشهدك وجود خصوصيته . وأيضا فان الولي لايعرف بالصورة الظاهرة وإنما يعرف بالمعاني الباطنة لان الله لايعبأ بالصور: رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره في قسمه ، فمن أراد معرفته بالصورة فلا يعرفه لأنه لا يرى إلا بشرا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فالعين لا ترى إلا الأجسام الكثيفة التي يطرأ عليها مايطرأ على أهل الحجاب ولم يدرك ما انطوت عليه الصورة من المعاني اللطيفة والأسرار المنيفة ، فمن أراد الله سعادته رزقه الاعتقاد والتصديق أولا ثم الهداية والتوفيق ثانيا فالتصديق بأسرار الولاية أول المعرفة ولهذا قال الشيخ أبو الحسن : "التصديق بطريقتنا هذه ولاية ".
قال بعضهم:" لله رجال لا يعرفهم إلا الخاصة , ولله رجال يعرفهم الخاصة والعامة , ولله رجال لا يعرفهم لا الخاصة ولا العامة ولله رجال أظهرهم في البداية وسترهم في النهاية , ولله رجال سترهم في البداية وأظهرهم في النهاية , ولله رجال لا يعرفهم سواه ولا يطلع على ما بينه وبينهم إلا الحفظة الكرام , الذين وكلوا بحفظ السرائر , ولله رجال اختص الله بمعرفتهم لا يظهر حقيقة ما بينه وبينهم إلى الحفظة فمن سواهم حتى يلقونه فهم شهداء الملكوت الأعلى , وهم المقربون , وهم الذين يتولى الله قبض أرواحهم بيده , وهم الذين طابت أجسامهم من طيب أرواحهم فلا يعدو عليها الثرى حتى يبعثون مشرقين بأنوار البقاء المجعول فيهم ببقاء الأبد مع الباقي الأحد , وهم المخفقون تحت حجاب الأنس المغموسون في بحار المحبة والقدس , فليس لهم مع غيره قرار,ولا عن أنفسهم إخبار تولى الله شأنهم:{ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }".
إيقاظ الهمم في شرح الحكم