الإشارة:
أُمر بتقوى الله، وبالغيبة عما يشغل عن الله، وبالتوكل على الله، فالتقوى أساس الطريق، والغيبة عن الشاغل: سبب الوصول إلى عين التحقيق، والتوكل زاد رفيق. قال القشيري بعد كلام: يا أيها المُرقَّى إلى أعلى المراتب، المُتَلقَّى بأسنى القُرَب والمناقب؛ اتقِ الله أن تلاحظ غَيْراً معنا، أو تُساكِن شيئاً دوننا، أو تُثبت شيئاً سوانا، { ولا تطع الكافرين }؛ إشفاقاً منك عليهم، وطمعاً في إيمانهم، بموافقتهم في شيء مما أرادوه منك. والتقوى رقيب على الأولياء، تمنعهم، في أنفاسهم وسكناتهم وحركاتهم، أن ينظروا إلى غيره، أو يُثْبِتُوا معه سواه، إلا منصوباً بقدرته، مصرَّفاً بمشيئته، نافذاً فيه حُكْمُ قضيته.
التقوى لجامٌ يمنعك عمَّا لا يجوز، زمامٌ يقودك إلى ما تُحب، سوطٌ يسوقك إلى ما أمر به، حِرْزٌ يعصمك من تَوَصُّل عقابه إليك، عوذَةٌ تشفيك من داء الخطايا. التقوى وسيلةٌ إلى ساحة كرمه، ذريعةٌ يُتَوصَّلُ بها إلى عفوه وجوده. { واتبع ما يوحى إليك... }؛ لا تبتدع، واقتِد بما نأمرك، ولا تقتدِ، باختيارك، غَيْرَ ما نختار لك، ولا تُعَرِّج - أي: تقم - في أوطان الكسل، ولا تجنجْ إلى ناحية التواني، وكن لنا لا لك، وقم بنا لا بِكَ. " وتوكل " انسلخْ عن إهابك لنا، واصدق في إيابك إلينا، وتشاغلك عن حُسْبَانِكَ معنا، واحذرْ ذهابَكَ عنا، ولا تُقَصِّرْ في خطابك معنا. ويقال: التوكل: تَخلُّقُ، ثم تَخلُّقٌ، ثم تَوَثُقٌ، ثم تَمَلُّقٌ، تحققٌ في العقيدة، وتخلقٌ بإقامة الشريعة، وتَوثُّقٌ بالمقسوم من القضية، وتملقٌ بين يديه بحُسْن العبودية. ويقال: التوكل: استواءُ القلب في العدم والوجود. هـ.
والتقوى محلها القلب، ولا يحصل منتهاها إلأا بانفراد القلب إلى مولاه كما أبان ذلك بقوله: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ... }