الفكرة في عظمة الباري وتوحيده نور، فإذا كان القلب مشغولاً بالفكرة في عظمة الحق فهو منور بنور الحق، وإذا خلا من الفكرة في الحق دخلته الفكرة في الأغيار وهي ظلمة، ولا تجتمع الظلمة والنور أبداً، فالفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت الفكرة في الحق انطفأ نوره بدخول ظلمة الكون فلا إضاءة له، ولذلك قال الجنيد رضي الله عنه: " أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الله في ميدان الفكرة على بساط التوحيد".
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: "أربعة من حازهن فهو من الصديقين المقربين ومن حاز منهن ثلاثة فهو من أولياء الله المقربين ومن حاز منهن اثنين فهو من الشهداء المؤمنين ومن حاز منهن واحدة فهو من عباد الله الصالحين:
أولها : الذكر وبساطه العمل الصالح وثمرته النور.
الثاني : الفكرة وبساطة الصبر وثمرته العلم.
الثالث : الفقر وبساطه الشكر وثمرته المزيد منه.
الرابع : الحب وبساطه بغض الدنيا وأهلها وثمرته الوصول إلى المحبوب".
واعلم أن : "الفكرة فكرتان فكرة تصديق إيمان وفكرة شهود وعيان".
فكرة أهل التصديق والإيمان هي سير القلب في ميادين الأغيار فهم يتفكرون في المصنوعات ليتوصلوا إلى معرفة الصانع وقدرته وعلمه وحياته وغير ذلك من سائر صفاته، وهم الذين الذين قال الله فيهم:" يؤمنون بالغيب".
وفكرة أهل الشهود والعيان هي سير الروح في ميادين الأنوار قد انقلبت الأغيار في حقهم أنوار، والدلائل مدلولات، والغيب شهادة، وهم الذين أطلعهم الله على سر قوله تعالى:" قل انظروا ماذا في السموات والأرض" .
فالأولى: لارباب الاعتبار وهي فكرة تصديق وإيمان وهم أهل الاستدال يستدلون بالصنعة على الصانع، وهم السائرون إلى الله بأنوار التوجه.
والثانية: لارباب الشهود والاستبصار وهي فكرة شهود وعيان لأنهم ترقوا من شهود الدليل إلى المدلول، ومن الأثر إلى المؤثر، ومن الأغيار إلى شهود الأنوار، ومن الفرق إلى الجمع، ومن الملك إلى الملكوت، فما يشهدون إلا الأنوار تدفقت وانصبت من بحار الجبروت فهم غرقى في بحار الأنوار، مطموس عنهم وجود الآثار، فإن ردوا إليه رأوا قائمين بالله ومن الله وإلى الله، فما أعظم قدرهم عند الله.
إيقاظ الهمم في شرح الحكم