قال بعض الحكماء : للنفس سر ، ظهر على فرعون والنمرود ، حتى صرّحا بدعوى الربوبية : قلت : وهذا السر هو ثابت للروح في أصل نشأتها؛ لأنها جاءت من عالم العز والكبرياء . انظر قوله تعالى : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } [ الحِجر : 29 ] ، وقال أيضاً : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } [ الإسَراء : 85 ] أي : سر من أسراره ، فلما رُكبت في هذا القلب الذي هو قالب العبودية - طلبت الرجوع إلى أصلها . فجعل لها الحقّ جلّ جلاله باباً تدخل منه فترجع إلى أصلها؛ وهو الذل والخضوع والانكسار والافتقار ، فمن دخل من هذا الباب ، واتصل بمن يعرّفه ربه ، رجعت روحه إلى ذلك الأصل ، وأدركت ذلك السر ، فمنها من تتسع لذلك السر وتطيقه ، ومنها من تضيق عن حمله وتبوح به ، فتقتلها الشريعة ، كالحلاج وأمثاله ، ومن طلب الرجوع إلى ذلك الأصل من غير بابه ، ورام إدراكه بالعز والتكبّر ، طُرد وأُبعد ، وهو الذي صدر من النمرود وفرعون وغيرهما ممن ادّعى الربوبية جهلاً . والله تعالى أعلم .
ابن عجيبة