لما فصل الحق سبحانه هذه الروح التي هي لطيفة نورانية من أصلها وتغربت عن وطنها تعشقت إلى أصلها وتعطشت إلى محبة سيدها فلما علم الحق سبحانه أنها لا تصبر عنه،ولا تقدرأن تراه على ما هو عليه من كمال جلاله ونور بهاء جماله ما دامت في هذا السجن الذي هو قفص البدن , أشهدها الحق تعالى ما برز منه من تجلياته في مظاهر مكوناته وآثار صفاته لكن لا بد للحسناء من نقاب،وللشمس من سحاب فبرزت أنوار الجبروت إلى رياض الملكوت، فغطتها سحائب الحكمةوآثار القدرة ،فبقيت الروح تتعشق إلى أصلها من وراء سحاب الأثر فإذا أنقشع السحاب ورفع الحجاب لقي كل حبيب حبيبه وعرف كل أنسان مثواه ومستقره،فقنعت الروح بشهود المعاني خلف رقة الأواني،وإليه أشار الشيخ الغوث أبو مدين رضي الله عنه بقوله :
فلولا معانيكم تراها قلوبنا ... إذا نحن أيقاظ وفي النوم أن غبنا
لمتنا أسى من بعدكم وصبابة ... ولكن في المعني معانيكم معنا
أي فلولا معاني ذاتكم تراها قلوبنا في مظاهر صفاتكم لمتنا عشقاً أو فلولا معاني الجبروت تراها قلوبنا في عالم الملكوت لمتنا أسى أي حزناً على فراقكم وشوقاً إلى لقائكم، وقوله: " ولكن في المعنى معانيكم معنا "
أي ولكن معانيكم التي تشاهدها قلوبنا في المعنى معنى عظيم فأستأنسنا بمشاهدتها وأنست أرواحنا بها،فلم تمت عشقاً وشوقاً والله تعالى أعلم .