تمهيد :
قال
فؤاد الزعري لصديقه :
« لعلك تتسائل لما يقبل الإبن يد أمه، و التلميذ يد معلمه ، و العامة يد
الرجل الصالح إنهم يفعلون ذلك تعبيرا منهم عن التقدير و الإحترام، فما رأيك في ذلك
؟ »
فقال صديقه:
« تقبيل اليد منكر من المنكرات التي تشيع في المجتمعات المختلفة، و هي
تعبير عن إذلال الناس و إهانتهم و احتقارهم .»
فماهو التقبيل ؟ و ما حكم الإسلام في تقبيل اليد ؟
تعريف التقبيل
:
التقبيل : مصدر قبل ، وهو البوس و اللثم أي تلامس الشفاه بأي شيء، و هو تعبيرات و
أحاسيس مختلفة كالتحية ، و الحب ، و الدب ، و التعظيم .
اليد : وهي الكف ، قال ابو إسحاق اليد من أطراف الإصابع إلى الكف .
حكم تقبيل اليد
في الإسلام :
وكرهه مالك رحمه الله إذا كان يفضي إلى الكبر.
قال الأبهري: « وإنما كرهه مالك إذا كان على وجه التعظيم و التكبر»
و اتفق محققوا المالكية مع الجمهور على جواز ذلك للأدلة الصحيحة.
الدليل من
الكتاب :
قال تعالى : « ومن يعظم حرمات الله فهة خير له عند ربه » سورة الحج 30 .
و الحرمات كما قال ابن عاشور هي : كل ما أوصى الله بتعظيم أمره، فشمل مناسك
الحج كلها و غيرها ايضا.
قال العلامة أحمد بن اعجيبة:
« و أعظم شعائر الله التي يجب تعظيمها : أولياء الله الدالين على الله، ثم
الفقراء المتوجهين إلى الله، ثم العلماء المعلمون أحكام الله ،ثم الصالحون
المنتسبون إلى الله، ثم عامة المؤمنين الذين هم من جملة عباد الله ، و اما الفقير
فيعظم كل ما خلق الله حتى الكلاب و يتأدب مع كل مخلوق» البحر المديد (الجزء السابع
عشر/ سورة الحج).
الدليل من
السنة :
قال صفوان بن عسال رضي
الله عنه:« قال يهودي لصاحبه: قم
بنا إلى هذا النبي ، فأتيا رسول الله فسألاه هن الآيات التسع البينات، فذكر الحديث
....إلخ فقبلا يده ورجله وقالا: نشهد أنك نبي الله » رواه الإمام احمد.
هذا الحديث يبين جواز تقيبل اليد و الرجل ، فلو كان ذلك حراما أو مكروها ،
لمنعهم النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك ، ولأنكر عليهم.
نصوص إضافية
داعمة:
قال صهيب رضي الله عنه: « رأيت عليا يقبل يد العباس و
رجليه ». رواه البخاري
هذا الحديث يبين أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبلون
أيدي بعضهم البعض إجلالا و
تشريفا ولم يكن ذلك منكرا عندهم.
قال ابن كثير رحمه الله:
« وصل عمر بن الخطاب إلى الشام عند فتح بيت المقدس
تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء كخالد بن الوليد و يزيد بن أبي سفيان فترجل أبو
عبيدة و ترجل عمر فأشار ابو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة، فكف
ابو عبيدة ، فكف عمر » البداية والنهاية (ج7/ص55)
أقوال فقهاء
المالكية في تقبيل اليد:
قال أبو الحسن المالكي في
كفاية الخطاب:
«
ذكره مالك رحمه الله تقبيل اليد – أي يد الغير- ظاهره الكراهة سواء كان الغير
عالما أو غيره ولو أبا أو سيدا أو زوجا، وهو ظاهر المذهب لأنه من فعل الأعاجم و
يدعو إلى الكبر ورؤية النفس ، وأنكر مالك رحمه الله ما روي فيه –أي تقبيل اليد –
فإن إنكاره من جهة الرواية فهو حجة لأنه إمام الحديث، و غن كان من جهة الفقه فكما
تقدم . و قال تبن بطال : إنما يكره تقبيل يد الظلمة و الجبابرة، و اما يد الأب و
الرجل الصالح و من ترجى بركته فجائز. » كفاية الطالب ( ج2/ص620)
وقال أبو الطيب : « قال
الأبهري : إنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر و التعظيم لمن فعل ذلك به،
فأما إذا قبل إنسان يد إنسان أو وجهه أو شيئا من بدنه – مالم يكن عورة- على وجه القربة
إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز. وتقبيل يد النبي صلى الله عليه ة
سلم يقرب إلى الله وما كان من ذلك تعظيما لدنيا أو لسلطان أو لشبهة من وجوه التكبر
فلا يجوز» عون المعبود (ج14/90)
وقال النفراوي: «و
بالجملة لا ينكر على من فعلها مع ذوي
الشرف و الفضل لورودها في شكل الأحاديث » الفواكه الدواني (ج2/326)
الخلاصة
:
يتضح من الأدلة
السابقة جواز تقبيل يد أصحاب الفضل من العلماء و المجاهدين و الزهاد و العباد و كذا
الإمام العادل و الأبوين ، وصاحبة شيبة الإسلام ، ونحوهم على سبيل التوقير و
الإجلال.
ويزداد أهميتها في هذا الزمان التي يحتقر فيها
العلماء و الشرفاء ، و يتجرأ عليهم السفهاء ، ويتصدر فيه الغلاة ، و يتصدر فيه
الغلمان ، فيزداد حينئذ استحباب توقير الأبوين و أهل العلم و الصلاح و تبجيلهم و
من علامات ذلك تقبيل اليد اعترافا بفضلهم من جهة و تأدبا بين أيديهم من جهة أخرى .
و يكره تقبيل
أيدي غير هؤلاء السابق ذكرهم كتقبيل أيدي أصحاب الأموال و المناصب و نحوهم ،
وتزداد الكراهة بل يحرم تقبيل أيدي الفساق و الظلمة و أهل الجور و الطغيان ،
وأصحاب الأهواء و المبتدعة.
من إعداد الأستاذ: محمد النوة