قال أبو الدرداء: اعلم أن لله عباداً يقال لهم الأبدال خلف من الأنبياء هم أوتاد الأرض، فلما انقضت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولا حسن حلية ولكن بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله بصبر من غير تجبن وتواضع في غير مذلة وهم قوم اصطفاهم الله واستخصلهم لنفسه، وهم أربعون صديقاً أو ثلاثون رجلاً قلوبهم على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه، واعلم يا أخي أنهم لا يلعنون شيئاً ولا يؤذونه ولا يحقرونه ولا يتطاولون عليه ولا يحسدون أحداً ولا يحصرون على الدنيا، هم أطيب الناس خيراً وألينهم عريكة وأسخاهم نفساً، علامتهم السخاء وسجيتهم البشاشة وصفتهم السلامة، ليسوا اليوم في خشية وغداً في غفلة ولكن مدامين على حالهم الظاهر وهم فيما بينهم وبين ربهم لا تدركهم الرياح العواصف ولا الخيل المجراة، قلوبهم تصعد ارتياحاً إلى الله واشتياقاً إليه وقدماً في استباق الخيرات " أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " قال الراوي: فقلت: يا أبا الدرداء ما سمعت بصفة أشد علي من تلك الصفة وكيف لي أن أبلغها؟ فقال: ما بينك وبين أن تكون في أوسعها إلا أن تكون تبغض الدنيا، فإنك إذا أبغضت الدنيا أقبلت على حب الآخرة، وبقدر حبك للآخرة تزهد في الدنيا وبقدر ذلك تبصر ما ينفعك، وإذا علم الله من عبد حسن الطلب أفرغ عليه السداد واكتنفه بالعصمة، واعلم يا ابن أخي أن ذلك في كتاب الله تعالى المنزل " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " قال يحيى بن كثير: فنظرنا في ذلك فما تلذذ المتلذذون بمثل حب الله وطلب مرضاته. اللهم اجعلنا من محبي المحبين لك يا رب العالمين فإنه لا يصلح لحبك إلا من ارتضيته. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إحياء علوم الدين