المراد بالإمداد: أنوار التوجه للسائرين وأنوار المواجهة للواصلين. فهي تتوالى على قلوب العباد بحسب التأهب والاستعداد، "فبقدر المجاهدة تكون المشاهدة وبقدر التخلية تكون التحلية" وفائدة هذه الامداد تطهير القلوب من الأغيار وتقديس الأسرار من غبش الحس والأكدار والوقوف مع الأنوار .
فلا تزال أمطار المدد تنزل على أرض النفوس الطيبة والقلوب المطهرة والأرواح المنورة والأسرار المقدسة ،حتى تمتلأ بأنوار المعاني فتنشق لها أسرار الذات وتتعلق لها أنوار الصفات فتغيب بشهود الذات عن أثر الصفات، ثم ترد إلى شهود الصفات بالذات والذات بالصفات، لا يحجبها جمعها عن فرقها، ولا فرقها عن جمعها، تعطي كل ذي حق حقه وتوفي كل ذي قسط قسطه.
قال الشيخ مولاي العربي رضي الله عنه في بعض رسائله: "فإن قلتم أي وقت نكون كالجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، قلنا إذا زهدتم في الدنيا بالكلية وقطعتم الاياس من الرجوع إليها بالكلية، ثم اعتقدتم في شيوخكم أنهم كمل، وأنهم على قدم الأنبياء عليهم السلام من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، فو الله العظيم لينزل عليكم المدد الليل والنهار والشهر والعام وفي كل وقت وساعة ولحظة، حتي تمتلئ قلوبكم بمعرفة الله وتطمئن قلوبكم بذكر الله، وتكونوا كالجبال الراسية..." هذا معنى كلامه بإختصار رضي الله عنه.
وهو كما قال لأن الزاهد في الدنيا تفرغ قلبه وتجلى من الأكدار وتهيأ للأنوار، فإذا نزل المدد وجد القلب متسعاً مطهراً منظفاً فملأه من أنواره وحلاه بحلية أسراره،بخلاف ما إذا كان القلب معموراً بأغيار الدنيا لم يجد المدد موضعاً ينزل فيه فيرجع من حيث جاء، واعتقاد كمال الشيوخ هو عين الصدق ،وبقدر الصدق ينبع المدد، ولا يمكن أن ينقطع الوهم أو يذهب الحس إلا بالصدق مع الزهد، فبالزهد يتهيأ للمدد وبالصدق يفيض عليه المدد، فكلما فاض ماء المدد غسل أوساخ الوهم، فإذا لم يبق للوهم أثر حصل الغرق في البحر والله تعالى أعلم.
إيقاظ الهمم في شرح الحكم