تمهيد :
قال أسامة
الفيلالي لصديقه :
" اسمع ،
اسمع ، الفقراء يرددون إسم الله : ألله ، ألله ، هيا ندخل إلى الزاوية ، ونذكر
الله معهم ، لعلنا نأخذ نصيبنا من الرحمة ، امثثالا لقول نبينا صلى الله عليه وسلم
: " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله
قال : حلق الذكر " فما رأيك ؟ "
فقال صديقه : اتق
الله يا هذا ! إن حلق الذكر المقصودة في الحديث الشريف هي مجالس العلم ، وليس كما يفهم
الصوفية المبتدعة . والذكر الذي تقصده لا يكون جماعيا ، بل فرديا ، وإذا كان فرديا
لا يكون بالجهر ، بل بالصمت والسر ، هداك الله إلى الحق ، وأبعدك عن هؤلاء الضالين
المضلين "
فما هي حلق الذكر
؟ وما حكمها ؟
تعريف حلق الذكر :
الحلق :جمع حلقة ، والحلقة كل شيء استدار ، نقول : حلقة القوم :
أي دائرتهم .
الذكر : هو التسبيح ، نقول فلان ذكر الله : أي سبحه
ومجده ،
وحلقة الذكر : أي جلوس الذاكرين على هيئة دائرة .
وللذكر معاني منها
: الإسلام – القرآن – الدعاء – التسبيح ، التمجيد والعلم .
حكم حلق الذكر:
أجمع العلماء على
شرعية الذكر جماعة جهرا ، وذهبوا إلى استحباب ذلك ، ولم يخالف في ذلك أحد .
إلا أنه نسب إلى
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه غضب على رجال من الصحابة رضي الله عنهم حين
وجدهم مجتمعين على ذكر الله في المسجد النبوي فأخرجهم ! والثابت أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
كان حريصا على الإجتماع على ذكر الله تعالى . وهذا الاثر ان كان صحيح الاسناد
فانه مخالف لصريح الكتاب وصحيح السنة في
استحباب الاجتماع على ذكر الله تعالى .
قال أبو وائل رضي
الله عنه :" هؤلاء
الذين يزعمون أن عبد الله ( ابن مسعود ) ينهى عن الذكر ، ما جالست عبد الله مجالسا
إلا وذكر الله فيه " رواه أحمد في " الزهد "
قال ابن تيمية
رحمه الله – حين سئل عن الاجتماع على ذكر الله تعالى – قال : " الإجتماع
لذكر الله تعالى ، واستماع كتابه ، والدعاء : عمل صالح ، وهو من أفضل القربات
والعبادات ""
الفتاوى " ( ج 2/ ص 521 )
وقال النووي رحمه
الله :" اعلم أنه
كما يستحب الذكر ، يستحب الجلوس في حلق أهله " "
الأذكار " فصل " يستحب الجلوس "
الدليل من الكتاب :
قال تعالى : "
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ولا تعد عيناك عنهم
تريد زينة الحياة الدنيا ، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا "(الكهف28)
هذه الآية الكريمة
تبين فضل الاجتماع على ذكر الله تعالى ، وتحذر من أصحاب القلوب الغافلة .
قال سلمان رضي
الله عنه :" لما نزلت
هذه الآية ، قام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم ، حتى إذا أصابهم في مؤخر
المسجد يذكرون الله ، فكفوا ( أي سكتو ) فقال : ما كنتم تقولون ؟ قلنا : نذكر الله
، قال : إني رأيت الرحمة تنزل عليكم ، فأحببت أن أشارككم فيها ، ثم قال : الحمد
لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " (رواه
أحمد وغيره)
وهدا دليل على
جواز الجهر بالذكر مع الجماعة ، لأنهم سكتوا مع دخول النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل من السنة :
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ،
فإذا وجدوا قوما يذكرون الله ، تنادوا : هلموا إلى حاجتكم ، فيحفونهم ، بأجنحتهم
إلى السماء الدنيا ، فيسألهم ربهم – وهم أعلم منهم - : ما يقول عبادي ؟ تقول :
يسبحونك ، ويكبرونك ، ويحمدونك ، ويمجدونك ... إلى قوله صلى الله عليه وسلم : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم "
(متفق عليه)
هذا الحديث الشريف
يبين نوع الذكر وكيفيته ، فنوعه هو : التسبيح ، والتمجيد وما إلى ذلك من الأذكار . . أما كيفيته فهو مسموع ، سمعته الملائكة عند
مرورها بالقرب منهم ، ثم إن الله تعالى يسأل الملائكة : ما يقول عبادي ، فالقول
ادن ناتج عن كلام وصوت.
نصوص إضافية داعمة :
1- قال معاوية رضي الله عنه :
" خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر
الله ونحمده ، فقال : إنه أتاني جبريل ، فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة
" (رواه مسلم)
هذا الحديث الشريف
يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على اجتماعهم على الذكر ، ولم ينكر
عليهم ذلك ، فلو كان هذا الإجتماع مكروها غير جائز ، لنهاهم .
2 - قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه :" مر الرسول
الله صلى الله عليه وسلم على مجلسين : مجلس ذكر ، ومجلس علم ، فقال : كلا المجلسين
خير، وأحدهما أفضل من الآخر "
هذا الحديث الشريف
يبين أن مجالس الذكر كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( موازاة مع مجالس
العلم والتفقه ) ، مما يدل على سنيتها ، فلو كان مجلس الذكر منكرا لما قال صلى
الله عليه وسلم : ( كلا المجلسين خير ) .
3 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" هل فيكم
غريب ؟ قالوا : لا يارسول الله .فامر بغلق الباب وقال ارفعوا ايديكم وقولوا لا إله إلا الله ، قال شداد : فرفعنا أيدينا ساعة ، ثم قال ، ضعوا
أيديكم ... الحديث "(رواه أحمد
وغيره)
هذا الحديث الشريف
يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحاضرين من الصحابة رضي الله عنهم بترديد
كلمة التوحيد ( لا إلاه إلا الله ) لمدة ساعة ، مع الجهر بها . فثبت أن الاجتماع على " الهيللة "
ورفع الصوت بها سنة نبوية ، فوجب اتباع السنة.والاعتصام بها .وترك مخالفتها .
الخلاصة :
يتضح من الأدلة
السابقة جواز الإجتماع على ذكر الله ورفع الصوت به ، من قراءة للقرآن، وتسبيح ،
وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والدعاء الصالح .
وتصبح هذه الحلق
أكثر إلحاحا وأهمية في هذا الزمان ، الذي انقلبت فيه الموازين ، وحورب الدين ،
وأسيء إلى المسلمين .
وقست فيه القلوب ،
فأصبحت كالحجارة ، أو أشد قسوة ، واتبعت الشهوات وجرى الناس وراء الملهيات
والماديات ، وحبب إليهم الفجور والمنكرات . وملء المقاهي والحانات .
ويأتي المتطرفون
والمتشددون يتفانون في إفراغ بيوت الله من الإجتماع على ذكر الله ، بدعوى المحافظة
على الدين ، وقطع دابر المتصوفة المبتدعين .
ولا يخفى على
المسلم الفطن ما في الذكر والاجتماع عليه من المنافع والفضائل وما في محاربته
وتركه من المفاسد والرذائل .
قال تعالى : "
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ، واتبع هواه ، وكان أمره فرطا "الكهف (28)
من إعداد :
الأستاذ محمد النوة