إسمه ونشأته
العلامة الجليل، والصوفي الشهير، الولي الصالح، والمربي الناصح سيدي أحمد بن محمد ابن عجيبة الحسني،ولد عام 1161هـ الموافق 1748م بقرية في قبيلة الحوز بإقليم تطوان، تُعرَف باسم «اعجيبش».أخذ علومه الأولية بقريته المذكورة، فحفظ القرآن الكريم على جده المهدي الحسني، وأقرأه إياه الإمام أحمد الطالب، والإمام عبد الرحمن الكتامي الصنهاجي، والإمام العربي الزوادي، والشيخ محمد أَشمل، وحَفِظ المتون والمنظومات اللغوية والفقهية كالأجرومية، وألفية ابن مالك، والمرشد المعين، ونظم الخراز، وغيرها.
طلبه للعلم
حفظ القرطبية في الفقه وهو يرعى الغنم من غير أن يعرف اسمها، كذلك الأجرومية في اللغة، ومتن ابن عاشر. أتم حفظ القرآن الكريم على جده المهدي والشيخ أحمد الطالب وشرع في طلب العلم وعمره تسع سنوات فأخذ العلم من مشائخ عدة منهم: الشيخ عبد الرحمن الكتامي، والشيخ العربي الزوادي والفقيه محمد أشم والشيخ محمد السوسي السملالي، وفي سنة 1181 هـ قَدِم مدينة تطوان بالمغرب حيث واصل طلب العلم حيث لازم الشيخ أحمد الرشا والشيخ عبد الكريم بن قريش وغيرهما، ودرس في فاس على الشيخ التاودي بن سودة والشيخ محمد بنيس.
سيرته
اشتغل بالتدريس في مدينة تطوان لمدة خمس عشرة سنة. وفي سنة 1208 هـ كان راجعاً من فاس فأحب المرور على أحمد الدرقاوي في بادية بني زروال فالتقى بالشيخ محمد البوزيدي تلميذ الشيخ الدرقاوي فقال له: جعلك الله كالجنيد يتبعك أربع عشرة مرقعة. ثم ذهب به إلى الشيخ الدرقاوي، وفرحا بقدومه كثيراً ورحبا به، وأقام عندهما ثلاثة أيام ثم رجع إلى تطوان لمدة قصيرة ليرجع بعدها للشيخ محمد البوزيدي المذكور ويأخذ عنه ويسلك على يديه.
ثم لبس المرقعة الصوفية ووضع السبحة في رقبته على عادة صوفية الطريقة الدرقاوية، ثم أذن له شيخه بالخروج للسياحة والدعوة لله تعالى فاجتهد في ذلك حتى أنفق كل ماله وكان ميسوراً حتى أنه باع كتبه ومراجعه العلمية. كذلك وقد بنى زوايا صوفية في منطقة جبالة في المغرب.
مؤلفاته
لابن عجيبة كتب كثيرة تزيد عن الأربعين مؤلفاً، منها:
- - أزهار البستان
- - شرح همزية البوصيري
- - شرح المنفرجة " لابن النحوي
- - وشرح البردة للبوصيري
- - وشرح " خمرية ابن الفارض
- - وحاشية على الجامع الصغير
- - شرح الوظيفة الزروقية
- - شرح الحزب الكبير للإمام الشاذلي
- - شرح الأسماء الحسنى
- - شرح تائية الجعيدي
- - طبقات الأعيان
- - شرح الحصن الحصين
- - شرح رائية شيخه البوزيدي
- - شرح الأجرومية بالإشارة
- - شرح نونية الشستري
- - معراج التشوف إلى حقائق التصوف
- - إيقاظ الهمم في شرح الحكم.
- - الفتوحات الإلهية، وهو شرح على المباحث الأصلية.
- - البحر المديد في تفسير القرآن المجيد.
- - التفسير الكبير لسورة الفاتحة
- - الدرر الناثرة في توجيه القراءات المتواترة.
من أقواله
- - "شدّوا أيديكم على الشريعة المحمدية، فإنها مفتاح لباب الطريقة والحقيقة، فكل من ترك منها شيئا طرد وأبعد، ولو كان واصلا، فالأبواب كلها مسدودة إلا من أتى باب الشريعة.
- - لولا صحبة الرجال، ما عرف النقص من الكمال.
- - لولا الشهوات والحظوظ، تصرفت الهمم بأسرع من اللحوظ.
- - بقدر ما يتفرغ القلب من العلائق تشرق عليه أنوار الحقائق.
- - لولا الوقوف مع ظلمة الأكوان لأشرقت على القلب شموس العيان".
- - من حسن الأدب؛ السكون تحت مجاري الأقدار، والتسليم لأحكام الواحد القهار.
- - ماهلك من هلك إلا لإخلاله بالشرائع أو بالحقائق، فالشرائع، صيانة للأشباح، والحقائق صيانة للأرواح.
- - إذا تطهرت القلوب من الأغيار، وتصفّتْ من الأكدار، أوحى إليها بدقائق العلوم والأسرار.
- - من شأن أهل الكرم والامتنان: المبادرة إلى من أتاهم بالبر والإحسان؛ إما بقوت الأرواح، أو بقوت الأشباح.
- - من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار، فليدخل من باب الذل والانكسار.
- - حذّر الحقّ جلّ جلاله من صحبة الأشرار، ويفهم منه الترغيب في موالاة الأخيار، وهم الصوفية الأبرار، ففي صحبتهم سر كبير وخير كثير.
- - إذا عقد المريد مع الله عقدة السير والمجاهدة، قد يختبره الله ـ تعالى ـ في سيره بتيسير الشهوات، وتسليط العلائق والعوائق؛ ليعلم الكاذب من الصادق.
- - بالأحوال الظلمانية وإن كثرت، وإنما العبرة بالأحوال الصافية ولو قلّت، صاحب الأحوال الصافية موصول، وصاحب الأحوال الظلمانية مقطوع، ما لم يتب عنها.
- - الإعراض عن الخلق والاكتفاء بالملك الحق ركن من أركان الطريق.
- - ما حَرَم الناسَ من الخير إلا خصلتان: التكبر والحسد.
- - بقدر ما يعلو المقام يُشدد العقاب، وبقدر ما يحصل من القرب يُطلَب الآداب، فليست المعصية في البعد كالمعصية في القرب، وليس يُطلب من البعيد ما يُطلب من القريب.
- - آداب الظاهر عنوان آداب الباطن، ويظهر الأدب في حسن الخطاب، ورد الجواب، وفي حسن الأفعال، وظهور محاسن الخلال.
- - والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح، فالنفس الحية لا تموت مع الأحياء، وإنما تموت مع الأموات، فهي كالحوت ما دامت في البحر مع الحيتان لا تموت أبدًا، فإذا أخرجتها وعزلتها عن أبناء جنسها ماتت سريعًا.
- - كل ما يقطع القلبّ عن الشهود، أوُ يُفَتِّرُهُ عن السير إلى الملك المعبود، فهو شهوة، كائناً ما كان، أغياراً أو أنواراً، أو علوماً أو أحوالاً، أو غير ذلك.
- - كل من لم يحقق مقام الإخلاص، ولم يصحب أهل التخليص والاختصاص، لا تنفك أعماله من علل، ولا أحواله من دخل، فأعماله فارغة خفيفة، أقل ريح تقلعها وتسقطها عن درجة الاعتبار، وما زالت العامة تقول: الصحيح يصح، والخاوي يدريه الريح.
- - اصحب الرجال أهلَ المعاني تِذُقْ أسرارهم، وتفهم إشاراتهم. وإلا فحسبُك أن تعتقد كمال التنزيه، وبطلان التشبيه، وتَمَسَّكْ بقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، وسلَّمْ للرجال في كل حال.
- - من اتصل بشيخ التربية تمتع بحلاوة العبادة القلبية كالشهود والعيان، ومن لم يتصل بالشيخ تمتع بحلاوة العبادة الحسية.
- - طلب الكرامات وظهور الآيات من طبع أهل الجهل والعناد، وليس هو من شيم أهل الهداية والاسترشاد. فالطريق واضح لمن طلب السبيل، والحق لائح لمن أبصر الدليل.
وفاته
توفي ابن عجيبة في 7 شوال 1224 هـ الموافق 1808م بالطاعون في بيت شيخه محمد البوزيدي بقرية "غمارة" شرق مدينة تطوان وبه دفن ثم نقل إلى "الزميج" حيث أعيد دفنه هناك.
جزاه الله خيرا على ما خلف من وراءه فرحمة الله وبركاته وطيب الله ثراه واسكنه فسيح جناته
ردحذف