آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أحقية الطهارة في نبض العبارة

قال تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة:79] كأول شرط حصل فيه الخلاف بين الفقهاء، فأجاز البعض الترتيل بطهارة ومنعه آخرون، وإنما القصد هنا التصفية الحسية لمقابلة معان لا تنفذ إلا لمن صفا مشربه وزان ظاهره، وتهيأ نفْساً ونفَساً للنهل من حقائق ثابتة ومعان سامية، وصار أهلاً لتحمُّل القول الثقيل، إذ بقدر ما يتطهر القلب من حب الدنيا والهوى تتجلى فيه أسرار كلام المولى، وعلى هذا القول شاهد ومشهود.

أي نعم، لنقتبس ذلك من سيرة الكمال التي صاحب فيها التجريد صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، وهو يتطهر بشتى الوسائل، بل فتح الله عز وجل له دورة تربوية روحية شاقة قصد الطهارة ليس إلا، واقرأ إن شئت قول الله عز وجل: ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليللا، نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا، إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا، إن لك في النهار سبحاً طويلا، واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) [المزمل:1-8 ]

جعلُ الطّهارة مقدمة منهجية تربوية لدرك المعاني وطلب الفتح الرباني هو السبيل الوحيد لصلاح الفرد والمجتمع والأمة، في سياق تلقيها عن أقدس مصادرها، والاستمداد من أنفس مراجعها: كتاب الله تعالى، سواء أقصدت علوم التسيير أم التسخير، فبقدر سمو المعاني يُحتاج إلى كدّ ونصب في سبيل جنيها وقطفها من علياء تطول المسافة بيننا وبينه كلما خلينا بيننا وبين الطهارة والصفاء.

وإن ركوب متن المخالفة حاجز وحائل دون تحقيق هذه الطِّلبة، إذ لا يستقيم أن تأتي باب السمو والجلالة بخرق وأسمال بالية، أفلا تدرك ذلك في وصية القرآن الجمالية:(خذوا زينتكم عند كل مسجد) [الأعراف:31] ، فذاك بيت الله وهذا كتاب الله، والكل من عند الله.
وإن تحقيق الطهارة لَمن مناشئ التربية الإيمانية والتصفية الحسية حتى يحصل التوافق والتآلف مع الحروف والكلمات والمعاني القرآنية النورانية، (اعتباراً أن الله تعالى بذاته الجليلة هو الذي يعتبر المتكلم بالكلمة القرآنية على حسب ما صيغت عليه التراكيب القرآنية في أسلوبها، فالله تعالى يعتبر معاد ضمير المتكلم في القرآن العظيم، سواء أكان ضمير المتكلم العادي أم كان ضمير المتكلم العظيم " أنا أو نحن". والله تعالى هو الذي تضاف الأشياء ــ من المعاني والأحداث التي يتكلم عليها القرآن ــ إلى ذاته العلية باعتبار كونها صادرة عنه وباعتبار كونه متكلما بها...)ليبقى وصف الاحتياج محيطاً بالقارئ والمتدبر الذي لا يملك سوى الافتقار والتذلل بالتجرد عن غبش الحياة وسفاسف الأمور ثم الاتصال بالله لتلقي فيضه ونوره، والأنس بالوحدة معه، والخلوة إليه، والله وحده هو الذي سمى خلقه في الكتاب بوصف ما كان ينبغي لأحد في العالم أبداً أن يسمي به الناس عن حق، وهو وصف " عبادي"، فيقول سبحانه وتعالى: ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم)[الحجر:49]، ويقول سبحانه: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) [الزمر:53].

فلتتحقق معاني العبودية إذا أردنا الفهم عن الله تعالى في مُحكم كتابه، ومُسايرة الواقع بسند روحي جمالي مدخله الطهارة ، قصد الاستمداد من الوحي علمياً وعملياً. وهذا ما يُرى أشرف الوسائل إلى أشرف المقاصد استرجاعاً لما اغتُصب من حق الجمال بعد سطو الحضارة وهيمنة المادة على النفس الأمّارة.

بقلم : الأستاذ : عبد الله عبد المؤمن

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية