آخر الأخبار

جاري التحميل ...

باب التصوف / الهجويري

الصوفي : اسم يطلقونه على كاملي الولاية ومحققي الأولياء ويقول أحد المشايخ رحمهم الله : "من صافاه الحب فهو صاف، ومن صافاه الحبيب فهو صوفي". واشتقاق هذا الاسم لا يصح على مقتضى اللغة من أي معنى، لأن هذا الاسم الأعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه، وهم يشتقون الشيء من شيء مجانس له، وكل ما هو كائن ضد الصفاء، ولا يشتق الشيء من ضده. وهذا المعنى أظهر من الشمس عند أهله، ولا يحتاج إلى العبارة، "لأن الصوفي ممنوع عن العبارة والإشارة". وحين يكون الصوفي ممنوعا عن كل العبارات فإن العالم كلهم معبرون عنه، عرفوا أو لم يعرفوا وأي خطر يكون للاسم في حال حصول المعنى".

وهم يسمون أهل الكمال منهم بالصوفي، ويسمون المتعلقين بهم وطلابهم بالمتصوف والتصوف تفعل وتكلف، والصفاء هو الفرع الأصلي، والفرق بينهما ظاهر من حكم اللغة والمعنى، "فالصفاء ولاية لها آية، والتصوف حكاية الصفاء بلا شكاية" والصفاء معنى متلألئ وظاهر التصوف حكاية عن ذلك المعنى. وأهله في هذه الدرجة على ثلاثة أقسام الأول الصوفي، والثاني المتصوف، والثالث المستصوف".

الصوفي : هو الفاني عن نفسه والباقي بالحق، قد تحرر من قبضة الطبائع، واتصل بحقيقة الحقائق، والمتصوف: هو من يطلب هذه الدرجة بالمجاهدة ويقوم نفسه في الطلب على معاملتهم، والمستصوف: هو من تشبه بهم من أجل المنال والجاه وحظ الدنيا، وهو غافل عن هذين وعن كل معنى إلى حد أن قيل "المستصوف عند الصوفية كالذباب، وعند غيرهم كالذئاب".

فالصوفي هو صاحب الوصول ، والمتصوف هو صاحب الأصول ، والمستصوف هو صاحب الفضول".
و من كان نصيبه الفضول تخلف عن الكل ، وقعد على عتبة الرسم ، وحجب بالرسم عن المعنى ، وعجز بالحجاب عن وصل الواصل.
وللمشايخ في هذا الأمر رموز كثيرة ، غلى حد أنه لا يمكن إحصائها كلها ، غير أني أذكر طرفا منها في هذا الكتاب ، لتتم الفائدة إن شاء الله عز وجل. 
يقول ذو النون المصري رحمه الله : " الصوفي إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق ، وإن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق ".
أي أن قوله كله يكون على أصل صحيح ، وفعله كله تجريدا صرفا ، فحين يتكلم يكون قوله كله حقا ، وحين يصمت يكون فعله كله فقرا.
ويقول الجنيد رحمه الله :" التصوف نعت أقيم العبد لفيه ، قيل : نعت للعبد ؟أم نعت للحق ؟ فقال : نعت الحق حقيقة ، ونعت العبد رسما".
أي ان حقيقة التصوف تقتضي فناء صفة العبد ، وفناء صفة العبد يكون ببقاء صفة الحق ، وهذا نعت الحق ، ورسمه يقتضي دوام مجاهدة العبد ، والمجاهدة صفة العبد.
يقول أبو الحسن النوري رحمه الله :"الصوفية هم الذين صفت أرواحهم فصاروا في الصف الأول بين يدي الحق" .
أي أن الصوفية هم أولئك الذين تحررت أرواحهم من كدورة البشرية ، وصفوا من الآفات النفسية ، وخلصوا من الهوى ، حتى استقروا في الصف الأول والدرجة الأعلى مع الحق ، ونفروا من الغير .

«كشف المحجوب» تأليف الهجويري (ت. 465 هـ).

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية