الإشارة : قد قضى الحقُّ جلّ جلاله ما كان وما يكون في سابق علمه، فما من نَفَسٍ تُبديه إلاَّ وله قَدَر فيك يُمضيه. فالواجب على العبد أن يكون ابن وقته، إذا أصبح نظر ما يفعل الله به. فأسرار القدر قد استأثر الله بعلمها،(بحر عميق لا تطيقه) ، فأعاد عليه السؤال، فقال: (طريق مظلم لا تسلكه) لأنه لا يفهم سر القضاء والقدر، إلا من دخل مقام الفناء والبقاء، وفرَّق بين القدرة والحكمة، وبين العبودية والربوبية، فإذا تحقق العارف بالوحدة، عِلَمَ أنَّ الحق تعالى أظهر من خلقه مظاهر أَعدهم للإكرام، وأظهر خلقًا أعدهم للانتقام، وأبهم الأمر عليهم، ثم خلق فيهم كسبًا واختيارًا فيما يظهر لهم، وكلفهم لتقوم الحجة عليهم، وتظهر صورة العدل فيهم. وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً. فالقدرة تُبرز ما سبق في الأزل، والحكمة تستر أسرار القدر. لكن جعل للسعادة علامات كالتوفيق والهداية للإيمان، وللشقاوة علامات كالخذلان والكفران. نعوذ بالله من سوء القضاء وحرمان الرضا. آمين.
تفسير ابن عجيبة