ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)سورة البقرة .
قلت: النسخ في اللغة يطلق على معنيين أحدهما: التغيير والتحويل، يقال: مسخه الله قردا ونسخه. قال الفراء: ومنه نسخ الكتاب، والثاني: بمعنى رفع الشيء وإبطاله. يقال: نسخت الشمس الظل، أي: ذهبت به وأبطلته، وهو المراد هنا.
والإنساء هو الترك والإذهاب، والنساء هو التأخر. و «ما» شرطية منصوبة بشرطها مفعولا به. و «نأت» جوابها.
يقول الحق جل جلاله: في الرد على اليهود حيث قالوا: انظروا إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، فأجاب الله عنهم بقوله: ما ننسخ من آية أي: نزيل لفظها أو حكمها أو هما معا، نأت بخير منها في الخفة أو في الثواب، أو ننسها من قلب النبي- عليه الصلاة والسلام- بإذن الله، أو نتركها غير منسوخة، أو نؤخر إنزالها أو نسخها. باعتبار القراءات، نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم يا محمد أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه نسخ ولا غيره ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يتصرف فيهما كيف يشاء، لا راد لما قضى ولا معقب لما حكم به وأمضى، ينسخ من شرائع أحكامه ما شاء، ويثبت فيها ما شاء، بحسب مصالح العباد، وما تقتضيه الرأفة والوداد.وهو جائز عقلا وشرعا، فكما نسخت شريعتهم ما قبلها نسخها ما بعدها، فمن تحكم على الله، أو رد على أصفياء الله ممن اصطفاهم لرسالته، فليس له من دون الله من ولي يمنع من عذاب الله، ولا نصير ينصره من غضب الله.
والنسخ إنما يكون في الأوامر والنواهي دون الأخبار، لأنه يكون كذبا، ومعنى النسخ: انتهاء العمل بذلك الحكم، ونقل العباد من حكم إلى حكم لمصلحة، فلا يلزم عليه البداء كما قالت اليهود، والنسخ عندنا على ثلاثة أقسام: نسخ اللفظ والمعنى: كما كان يقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» ، ثم نسخ، ونسخ اللفظ دون المعنى: «كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، ثم نسخ لفظه، وبقي حكمه وهو الرجم، ونسخ المعنى دون اللفظ: كآية السيف بعد الأمر بالمهادنة مع الكفار. والله تعالى أعلم.
***
البحر المديد لإبن عجيبة