وأمَّا الإحسّانُ ، فقد جاءَ ذكرُه في القُرآنِ في مواضعَ : تارةً مقرونا بالإيمانِ ، وتارةً مقروناً بالإسلامِ ، وتارةً مقروناً بالتَّقوى ، أو بالعمل ((1)).
فالمقرونُ بالإيمانِ : كقولِه تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ، وكقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } .
والمقرونُ بالإسلام : كقوله تعالى : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } ، وكقوله تعالى : { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } .
والمقرون بالتقوى : كقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } ، وقد يذكر مفرداً كقوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ، وقد ثبت في " صحيح مسلم " ((2)) عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تفسيرُ الزِّيادةِ بالنّظرِ إلى وجهِ الله - عز وجل - في الجنة ، وهذا مناسبٌ لجعلِه جزاءً ((3)) لأهلِ الإحسانِ ؛ لأنَّ الإحسانَ هو أنْ يَعبُدَ المؤمنُ ربّه في الدُّنيا على وجهِ الحُضورِ والمُراقبةِ ، كأنّه يراهُ بقلبِهِ وينظرُ إليه في حال عبادتِهِ ((4)) ، فكانَ جزاءُ ذلك النَّظرَ إلى ((5)) الله عياناً في الآخرة ((6)) .
وعكس هذا ما أخبرَ الله تعالى به عَنْ جَزاءِ الكُفَّار في الآخرةِ : { إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } ، وجعلَ ذلك جزاءً لحالهم في الدُّنيا ، وهو تراكُم الرَّانِ على قُلوبِهم ، حتّى حُجِبَتْ عن معرفتِهِ ومُراقبته في الدُّنيا ، فكان جزاؤُهم على ذلك أنْ حُجِبوا عن رُؤيته في الآخرة ((7)) .
فقوله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الإحسان : (( أنْ تعبدَ الله كأنّكَ تراهُ … )) إلخ يشير إلى أنَّ العبدَ يعبُدُ الله تعالى على هذه الصِّفة ، وهو استحضارُ قُربِهِ ، وأنَّه بينَ يديه كأنَّه يراهُ ، وذلك يُوجبُ الخشيةَ والخوفَ والهيبةَ والتَّعظيمَ ((8)) ، كما جاء في رواية أبي هريرة : (( أنْ تخشى الله كأنَّكَ تراهُ )) .
ويُوجِبُ أيضاً النُّصحَ في العبادة ، وبذل الجُهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها .
وقد وصَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من أصحابِهِ بهذه الوصيَّةِ ، كما روى إبراهيمُ الهجريُّ ، عن أبي الأحوصِ ، عن أبي ذرٍّ ، قال : أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أنْ أخشى الله كأنِّي أراهُ ، فإنْ لم أكن أراه ، فإنَّهُ يراني .
ورُوي عن ابنِ عمرَ ، قال : أخذَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ببعض جسدي ، فقال : (( اعبُدِ الله كأنَّكَ تراهُ )) ، خرَّجه النَّسائيُّ ((9)) ، ويُروى من حديث زيد بن أرقم مرفوعاً وموقوفاً : (( كُنْ كأنَّكَ ترى الله ، فإنْ لم تكن تراه ، فإنَّهُ يراكَ )) ((10)) .
وخرَّج الطبراني ((11)) من حديث أنس : أنّ رجلاً قال : يا رسول الله ، حدثني بحديثٍ ، واجعله موجزاً ، فقال : (( صلِّ صلاةَ مودِّعٍ ؛ فإنَّكَ إنْ كنتَ لا تراهُ ، فإنَّه يراكَ )) .
وفي حديث حارثة المشهور - وقد رُويَ من وجوهٍ مرسلةٍ ((12)) ، ورُوي متصلاً ، والمرسل أصحُّ - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له : (( كيف أصبحت يا حارثة ؟ )) قال : أصبحتُ مؤمناً حقاً ، قال : (( انظر ما تقولُ ، فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقةً )) ، قال : يا رسول الله ، عزفَتْ نفسي عن الدُّنيا ، فأسهرتُ ليلي ، وأظمأتُ نهاري ، وكأنِّي أنظرُ إلى عرشِ ربِّي بارزاً ((13)) ، وكأنِّي أنظرُ إلى أهلِ الجنَّةِ في الجَنَّةِ كيف يتزاورونَ ((14)) فيها ، وكأنِّي أنظرُ إلى أهلِ النَّارِ كيفَ يتعاوَوْنَ فيها . قال : (( أبصرتَ فالزمْ ، عبدٌ نوَّرَ الله الإيمانَ في قلبه )) ((15)) .
ويُروى من حديث أبي أمامة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَّى رجلاً ، فقال له : (( استحي مِنَ اللهِ استحياءك مِنْ رجلين من صالحي عشيرتِك لا يفارقانك )) ((16)) . ويُروى من وجهٍ آخرَ مرسلاً ((17)) .
ويُروى عن معاذٍ أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَّاه لمَّا بعثه إلى اليمن ، فقال : (( استحي مِنَ اللهِ كما تستحي رجلاً ذا هيبةٍ من أهلك )) ((1)) .
وسئلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن كشف العورة خالياً ، فقال : (( الله أحقُّ أن يُستحيا منه )) ((18)).
ووصَّى أبو الدَّرداء رجلاً ، فقال له : اعبُدِ الله كأنَّكَ تَراه ((19)) .
وخطب عروة بنُ الزُّبير إلى ابنِ عمرَ ابنته وهما في الطَّواف ، فلم يُجبه ، ثم لقيَهُ بعد ذلك ، فاعتذر إليه ، وقال : كنَّا في الطَّوافِ نتخايلُ الله بين أعيننا . أخرجه أبو نعيم ((20)) وغيره .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( فإنْ لم تكن تراه فإنَّه يراك )) .
قيل ((21)) : إنّه تعليلٌ للأوَّل ، فإنَّ العبدَ إذا أُمر بمراقبة الله في العبادة ، واستحضارِ قُربِهِ مِنْ عبده ، حتى ((22)) كأنَّ العبدَ يراه ، فإنَّه قد يشقُّ ذلك عليه ، فيستعين على ذلك بإيمانه بأنّ الله يراه ، ويطَّلعُ على سرِّه وعلانيته وباطنه وظاهره ، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمره ، فإذا حقَّق هذا المقامَ ، سهُل عليه الانتقالُ إلى المقام الثاني ، وهو دوامُ التَّحديق بالبصيرة إلى قُربِ الله من عبدِه ومعيَّته ((23)) ، حَتّى كأنَّه يراه .
وقيل : بل هو إشارةٌ إلى أنّ مَنْ شقَّ عليه أنْ يعبُد الله كأنَّه يراه ، فليعْبُدِ الله على أنَّ الله يراه ويطّلع عليه ، فليستحي مِنْ نظره إليه ، كما قال بعضُ العارفين : اتَّقِ الله أنْ يكونَ أهونَ النَّاظرين إليك .وقال بعضُهم : خَفِ الله على قدر قُدرته عليك ، واستحي من الله على قدر قُربه منك .قالت بعضُ العارفات من السَّلف : مَنْ عملَ للهِ على المُشاهدة ، فهو عارفٌ ، ومن عمل على مشاهدة الله إيَّاهُ ، فهو مخلص . فأشارت إلى المقامين اللَّذين تقدَّم ذكرُهما :
أحدهما : مقام الإخلاص ، وهو أنْ يعملَ العبدُ على استحضارِ ((24)) مُشاهدةِ الله إياه ، واطِّلاعه عليه ، وقُربه منه ، فإذا استحضرَ العبدُ هذا في عمله ، وعَمِلَ عليه ، فهو مخلصٌ لله ؛ لأنَّ استحضارَهُ ذلك في عمله يمنعُهُ من الالتفاتِ إلى غيرِ الله وإرادته بالعمل .
والثاني : مقام المشاهدة ، وهو أنْ يعملَ العبدُ على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه ، وهو أنْ يتنوَّرَ القلبُ بالإيمانِ ، وتنفُذ البصيرةُ في العِرفان ، حتّى يصيرَ الغيبُ كالعيانِ .وهذا هو حقيقةُ مقامِ الإحسّان المشار إليه في حديث جبريلَ - عليه السلام - ، ويتفاوت أهلُ هذا المقام فيه بحسب قوَّة نفوذ البصائرِ .وقد فسَّر طائفةٌ من العُلماءِ المثل الأعلى المذكورَ في قوله - عز وجل - : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض } بهذا المعنى ، ومثلُهُ قولُه تعالى :
{ اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } ، والمراد : مثل نورِه في قلبِ المؤمن ، كذا قال أبيُّ بنُ كعبٍ ((25)) وغيرُه مِنَ السَّلَف .
وقد سبق حديث : (( أفضلُ الإيمانِ أنْ تعلمَ أنَّ الله معك حيثُ كنت )) ، وحديث : ما تزكيةُ المرءِ نفسه ؟ ، قال : (( أنْ يعلمَ أنَّ الله معه حيثُ كانَ )) .
وخرَّج الطبراني ((26)) من حديث أبي أُمامةَ ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( ثلاثةٌ في ظلِّ الله يومَ القيامةِ يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه : رجلٌ حيثُ توجه عَلِمَ أنَّ الله معه … )) ، وذكر الحديث .
وقد دلّ القرآنُ على هذا المعنى في مواضِعَ متعدِّدةٍ ، كقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ، وقوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } ، وقوله : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } ، وقوله : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيه } ، وقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } ، وقوله : { وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَمَعَهُمْ }.
وقد وردت الأحاديثُ الصَّحيحةُ بالنَّدب إلى استحضار هذا القُربِ في حال العباداتِ ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أحدَكم إذا قامَ يُصلِّي ، فإنَّما يُناجِي ربَّه ، أو ربَّه بينه وبينَ القبلةِ )) ((27)) ، وقوله : (( إنّ الله قِبَلَ وجهه إذا صلّى )) ((28)) ، وقوله : (( إنّ الله ينصب وجهه لوجهِ عبدِه في صلاتِهِ ما لم يلتفِت )) ((29)) .
وقوله للذين رفعوا أصواتهم بالذِّكرِ : (( إنَّكم لا تَدعُونَ أصمَّ ((30)) ولا غائباً ، إنَّكُم تدعُون سميعاً ((31)) قريباً )) ((32)) ، وفي رواية ((34)) : (( وهو أقربُ إلى أحدكم من عُنُقِ راحلتِهِ )) ((35)) ، وفي رواية : (( هو أقربُ إلى أحدكم من حبل الوريد )) .وقوله : (( يقولُ الله - عز وجل - : أنا مع عبدي إذا ذكرني ، وتحرَّكت بي شفتاه )) ((36)) .
وقوله : (( يقولُ الله - عز وجل - : أنا مع ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه حيث ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرتُهُ في نفسي ، وإنْ ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خيرٍ منه ، وإنْ تقرّبَ منِّي شبراً ، تقرَّبتُ منه ذراعاً ، وإن تقرَّبَ منِّي ذراعاً ، تقرَّبتُ منه باعاً ، وإن أتاني يمشي ، أتيته هرولةً )) ((37)) .
ومن فهم من شيءٍ من هذه النصوص تشبيهاً أو حُلولاً أو اتِّحاداً ، فإنّما أُتِيَ من جهله ((38))، وسُوء فهمه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والله ورسولُه بريئانِ من ذلك كلِّه ، فسبحانَ مَنْ ليسَ كمثله شيءٌ ، وهو السَّميعُ البصيرُ .
قال بكرٌ المزنيُّ : مَن مثلُك يا ابنَ آدم : خُلِّي بينَك وبينَ المحراب والماء ، كلّما شئتَ دخلتَ على اللهِ - عز وجل - ((39)) ، ليس بينَكَ وبينَه ترجُمان ((40)) .
ومن وصل إلى استحضارِ هذا في حال ذكره الله وعبادته استأنسَ بالله ، واستوحش مِنْ خلقه ضرورةً .
قال ثور بن يزيد : قرأتُ في بعضِ الكُتب : أنَّ عيسى - عليه السلام - قال : يا معشر الحواريِّين ، كلِّموا الله كثيراً ، وكلِّموا الناسَ قليلاً ، قالوا : كيف نكلِّمُ الله كثيراً ؟ قال : اخلُوا بمناجاته ، اخلوا بدُعائه . خرَّجه أبو نعيم ((41)) .
وخرَّج أيضاً ((42)) بإسناده عن رياح ، قال : كان عندنا رجلٌ يصلِّي كلَّ يومٍ وليلةٍ ألفَ ركعة ، حتى أُقعِدَ من رجليه ، فكان يصلِّي جالساً ألف ركعة ، فإذا صلى العصر ، احتبى ، فاستقبل القبلةَ ، ويقول : عجبتُ للخليقةِ كيف أَنِسَتْ بسواك ، بل عجبتُ للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواكَ .
وقال أبو أسامة : دخلت على محمد بن النَّضر الحارثيِّ ، فرأيتُه كأنَّه منقبضٌ ، فقلت : كأنَّك تكره أنْ تُؤتى ؟ قال : أجل ((2)) ، فقلت : أوَما تستوحشُ ؟ فقال : كيف أستوحشُ وهو يقولُ : أنا جليسُ مَنْ ذكرني ((43)) .وقيل لمالك بنِ مِغْول وهو جالسٌ في بيته وحده : ألا تستوحشُ ؟ فقال : ويستوحشُ مع الله أحدٌ ؟وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ، ويقولُ : من لم تَقَرَّ عينُه بكَ ، فلا قرَّت عينُه ، ومن لم يأنس بكَ ، فلا أنِسَ ((44)) .
وقال غزوان : إنِّي أصبتُ راحةَ قلبي في مُجالسةِ مَنْ لديه حاجتي .
وقال مسلم بنُ يسار : ما تلذَّذ المتلذِّذونَ بمثلِ الخَلْوةِ بمناجاةِ اللهِ - عز وجل - ((45)) .
وقال مسلم العابد : لولا الجماعة ، ما خرجتُ من بابي أبداً حتّى أموت ، وقال : ما يجدُ المطيعونَ لله لذَّةً في الدُّنيا أحلى من الخلوة بمناجاة سيِّدهم ((46)) ، ولا أحسب لهم في الآخرة مِنْ عظيم الثَّواب أكبرَ في صدورهم وألذَّ في قلوبهم مِن النَّظر إليه ، ثم غُشي عليه .
وعن إبراهيم بن أدهم ، قال : أعلى الدَّرجات أنْ تنقطعَ إلى ربِّك ، وتستأنِسَ إليه بقلبِك ، وعقلك ((47)) ، وجميع جوارحك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك ، ولا تخاف إلاَّ ذنبكَ ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً ، فإذا كنت كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنت ، أو في بحرٍ ، أو في سَهْلٍ ، أو في جبلٍ ، وكان شوقُك إلى لقاء الحبيب شوقَ الظمآن إلى الماء البارد ، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعام الطيب ، ويكونُ ذكر الله عندكَ ((48)) أحلى مِنَ العسل ، وأحلى من المَاء ((49)) العذبِ الصَّافي عند العطشان في اليوم الصَّائف .وقال الفضيل : طُوبى لمن استوحش مِنَ النَّاسِ ، وكان الله جليسَه .
وقال أبو سليمان : لا آنسني الله إلاَّ به أبداً .
وقال معروف لرجلٍ : توكَّل على الله حتّى يكونَ جليسَك وأنيسَك وموضعَ شكواكَ .
وقال ذو النون : مِنْ علامات المحبِّين لله أنْ لا يأنَسُوا بسواه ، ولا يستوحشُوا معه ، ثم قال : إذا سكنَ القلبَ حبُّ اللهِ تعالى ، أنِسَ بالله ؛ لأنَّ الله أجلُّ في صُدورِ العارفين أنْ يُحبُّوا سواه .
وكلامُ القوم في هذا الباب يطولُ ذكرُه جداً، وفيما ذكرنا كفايةٌ إنْ شاء الله تعالى .
فمن تأمَّل ما أشرنا إليه ممَّا دلَّ عليه هذا الحديثُ العظيم ، علم أنَّ جميعَ العُلوم والمعارف ترجعُ إلى هذا الحديث وتدخل تحته ، وأنَّ جميع العلماء من فِرَقِ هذه الأمَّة لا تخرجُ علومهم التي يتكلَّمون فيها عن هذا الحديث، وما دلَّ عليه مجمَلاً ومفصَّلاً ، فإنَّ الفُقهاءَ إنَّما يتكلَّمون في العبادات التي هي من جملة خصال الإسلام ، ويضيفون إلى ذلك الكلامَ في أحكامِ الأموالِ والأبضاعِ والدِّماءِ ، وكلُّ ذلك من علمِ الإسلامِ كما سبق التنبيه عليه ، ويبقى كثيرٌ من علم الإسلامِ مِنَ الآدابِ والأخلاقِ وغير ذلك لا يَتَكلَّمُ عليه إلاَّ القليلُ منهم ، ولا يتكلَّمون على معنى الشهادتين ، وهما أصلُ الإسلام كلِّه .
والذين يتكلمون في أصول الدِّيانات ، يتكلَّمون على الشَّهادتين ، وعلى الإيمان باللهِ ، وملائكته ، وكتبه ، ورسُله ، واليومِ الآخرِ ، والإيمان بالقدر .
والذين يتكلَّمون على علم المعارف والمعاملات يتكلَّمون على مقام الإحسان ، وعلى الأعمال الباطنة التي تدخلُ في الإيمان أيضاً ، كالخشية ، والمحبَّة ، والتوكُّلِ ، والرِّضا ، والصَّبر ، ونحو ذلك ، فانحصرتِ العلومُ الشَّرعية التي يتكلَّمُ عليها فِرَقُ المسلمين في هذا الحديث ، ورجعت كلُّها إليه ، ففي هذا الحديث وحدَه كفايةٌ ، وللهِ الحمدُ والمنَّةُ .
__________
(1) في ( ص ) : (( وتارة بالإسلام وتارة بالتقوى )) .
(2) الصحيح 1/112 ( 181 ) ( 297 ) و( 298 ) .
(3) في ( ص ) : (( جعله الله - عز وجل - )) .
(4) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 1/146 .
(5) زاد بعدها في ( ص ) : (( وجه )) .
(6) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/15 .
(7) انظر : تفسير البغوي 5/225 ، وزاد المسير 9/57 .
(8) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 1/146 .
(9) في " الكبرى " كما في " تحفة الأشراف " 5/278 .
وأخرجه : أحمد 2/132 ، والآجري في " الغرباء " ( 21 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 6/115 من حديث عبد الله بن عمر ، به . وهو حديث صحيح .
(10) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/202 موقوفاً ومرفوعاً ، والمرفوع ضعيف لضعف محمد بن حنيفة أبي حنيفة الواسطي . انظر : لسان الميزان 7/109 .
(11) في " الأوسط " ( 4427 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
وهنا قد وهم الحافظ ابن رجب رحمه الله فنسب الحديث إلى أنس ، وبعد تتبع طرق الحديث وجدناه من طريق عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وفي إسناد الحديث ضعف لجهالة بعض رواته ، قال الهيثمي في " المجمع " 10/232 : (( وفيه من لم أعرفهم )) .
(12) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 314 ) مرسلاً .
(13) في ( ص ) : (( وكأني بعرش الرحمان بارزاً )) .
(14) في ( ص ) : (( وكأني بأهل الجنة يتزاورون )) .
(15) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 3367 ) ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " ( 10591 ) ، من حديث الحارث بن مالك ، به مرفوعاً ، وهو ضعيف .
وأخرجه : البزار ( 32 ) ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " ( 10590 ) من حديث أنس بن مالك ، به مرفوعاً . وهو ضعيف .
(16) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7897 ) من حديث أبي أمامة به ، وهو جزء من حديث طويل ، وإسناده ضعيف ؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان .
(17) أخرجه : أحمد في " الزهد " (248 ) من طريق سعيد بن يزيد ، مُرسلاً .
(18) أخرجه : البزار ( 2642 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 825 ) من حديث معاذ ابن جبل ، به ، وإسناده ضعيف ؛ لضعف ابن لهيعة ، ولعنعنة أبي الزبير . =
= وأخرجه : مالك في " الموطأ " ( 2626 ) برواية يحيى الليثي بلفظ : أنَّ معاذ بن جبل قال آخر ما أوصاني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلي في الغرز أنْ قال : (( أحسن خلقك للناس مُعاذ بن جَبل )) ، وهو منقطع .
(19) أخرجه : عبد الرزاق ( 1106 ) ، وأحمد 5/3 و4 ، وأبو داود ( 4017 ) ، وابن ماجه
( 1920 ) ، والترمذي ( 2769 ) و( 2794 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 8972 ) ، والحاكم 4/179-180 ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/121-122 ، والبيهقي 1/199 و2/225 و7/94 وفي " شُعب الإيمان " ، له ( 7753 ) وفي " الآداب " ، له ( 716 ) ، والخطيب في " تاريخه " 3/261-262 من حديث معاوية بن حيدة ، به ، وهو جزء من حديث طويل ، وهو حديث حسن .
(20) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/211-212 .
(21) في " الحلية " 1/309 .
(22) في ( ص ) : (( يعني )) .
(23) في ( ص ) : (( وهيبته )) .
(24) زاد في ( ص ) : (( الله لأن الاستحضار ذلك )) .
(25) اخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 19757 ) ، وطبعة التركي 17/298 ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2593 ) و( 2594 ) ، وممن قال بهذا المعنى سعيد بن جبير والضحاك .
(26) في " الكبير " ( 7935 ) ، وإسناده ضعيف جداً ، فيه بشير بن نمير متروك . انظر : مجمع الزوائد 10/279 .
(27) أخرجه : الحميدي ( 1219 ) ، وأحمد 3/176 و273 و278 و291 ، والبخاري 1/112 ( 413 ) و1/140 ( 531 ) و2/82 ( 1214 ) ، ومسلم 2/76 ( 551 ) ( 54 ) ، وأبو عوانة 1/338 ، وابن حبان ( 2267 ) ، والبيهقي 1/255 و2/292 ، والبغوي ( 491 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(28) أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 522 ) برواية يحيى الليثي ، وأحمد 2/66 ، والبخاري 1/112 ( 406 )، ومسلم 2/75 ( 547 ) ( 50 )، وأبو داود ( 479 ) والنسائي 2/51 ، وأبو عوانة 1/336 و337 ، والبيهقي 2/293 ، والبغوي ( 494 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
(29) أخرجه : معمر في " جامعه " (20709 ) ، وأحمد 4/130 و202 و344 ، والترمذي
( 2863 ) و( 2864 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 8866 ) و( 11349 ) ، وأبو يعلى
( 1571 ) ، وابن خزيمة ( 483 ) و( 930 ) و(1895 ) وفي التوحيد ، له : 15 ، وابن حبان ( 6233 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3427 ) و( 3428 ) و( 3430 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 2870 ) ، والآجري في "الشريعة" : 8 ، وابن منده في "الإيمان" ( 212 ) ، والحاكم 1/117-118 و236 و421-422 من حديث الحارث الأشعري ، به . والروايات مطولة ومختصرة ، وقال الترمذي : (( حسن صحيح غريب )) .
(30) زاد بعدها في ( ص ) : (( ولا أبكم )) .
(31) زاد بعدها في ( ص ) : (( بصيراً )) .
(32) أخرجه : البخاري 4/69 ( 2992 ) و5/169 ( 4202 ) و8/101 ( 6384 ) ، ومسلم 8/73 ( 2704 ) ( 44 ) من حديث أبي موسى الأشعري ، به .
(33) في ( ص ) : (( حديث )) .
(34) أخرجه : مسلم 8/74 ( 2704 ) ( 46 ) ، وأبو داود ( 1526 ) و( 1527 )
و( 1528 ) ، والترمذي ( 3374 ) و( 3461 ) من حديث أبي موسى الأشعري ، به .
(35) أخرجه : أحمد 2/540 ، والبخاري في " خلق أفعال العباد " ( 57 ) ، وابن ماجه ( 3792 ) ، وابن حبان ( 815 ) ، والبيهقي ( 509 ) و( 510 ) ، والبغوي في ( 1242 ) من حديث أبي هريرة ، به .
وأخرجه : الحاكم 1/496 من حديث أبي الدرداء ، به .
(36) أخرجه : الطيالسي ( 2387 ) ، وأحمد 2/251 و316 و354 و405 و413 و435 ، والبخاري 9/147 ( 7405 ) و9/192 ( 7537 ) وفي "خلق أفعال العباد" ، له ( 55 ) ، ومسلم 8/62-63 ( 2675 ) ( 2 ) و( 3 ) و8/66-67 ( 2675 ) ( 19 ) و( 20 ) و( 21 ) و8/91 ( 2675 ) ( 1 ) ، وابن ماجه ( 3822 ) ، والترمذي ( 3603 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 7730 ) من حديث أبي هريرة ، به . والروايات مطولة ومختصرة .
(37) في ( ص ) : (( فإنه من جهله )) .
(38) زاد بعدها في ( ص ) : (( فإنه )) .
(39) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/229 .
(40) في " الحلية " 6/195 .
(41) أبو نعيم في " الحلية " 6/195 .
(42) في ( ص ) : (( نعم )) .
(43) أخرجه : البيهقي في " شُعب الإيمان " ( 709 ) .
(44) زاد بعدها في ( ص ) : (( الله به )) .
(45) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/294 .
(46) في ( ص ) : (( الله - عز وجل - )) .
(47) في ( ص ) : (( وعينك )) .
(48) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/108 .
(49) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/360 .
فالمقرونُ بالإيمانِ : كقولِه تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ، وكقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } .
والمقرونُ بالإسلام : كقوله تعالى : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } ، وكقوله تعالى : { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } .
والمقرون بالتقوى : كقوله تعالى : { إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } ، وقد يذكر مفرداً كقوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ، وقد ثبت في " صحيح مسلم " ((2)) عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تفسيرُ الزِّيادةِ بالنّظرِ إلى وجهِ الله - عز وجل - في الجنة ، وهذا مناسبٌ لجعلِه جزاءً ((3)) لأهلِ الإحسانِ ؛ لأنَّ الإحسانَ هو أنْ يَعبُدَ المؤمنُ ربّه في الدُّنيا على وجهِ الحُضورِ والمُراقبةِ ، كأنّه يراهُ بقلبِهِ وينظرُ إليه في حال عبادتِهِ ((4)) ، فكانَ جزاءُ ذلك النَّظرَ إلى ((5)) الله عياناً في الآخرة ((6)) .
وعكس هذا ما أخبرَ الله تعالى به عَنْ جَزاءِ الكُفَّار في الآخرةِ : { إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } ، وجعلَ ذلك جزاءً لحالهم في الدُّنيا ، وهو تراكُم الرَّانِ على قُلوبِهم ، حتّى حُجِبَتْ عن معرفتِهِ ومُراقبته في الدُّنيا ، فكان جزاؤُهم على ذلك أنْ حُجِبوا عن رُؤيته في الآخرة ((7)) .
فقوله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الإحسان : (( أنْ تعبدَ الله كأنّكَ تراهُ … )) إلخ يشير إلى أنَّ العبدَ يعبُدُ الله تعالى على هذه الصِّفة ، وهو استحضارُ قُربِهِ ، وأنَّه بينَ يديه كأنَّه يراهُ ، وذلك يُوجبُ الخشيةَ والخوفَ والهيبةَ والتَّعظيمَ ((8)) ، كما جاء في رواية أبي هريرة : (( أنْ تخشى الله كأنَّكَ تراهُ )) .
ويُوجِبُ أيضاً النُّصحَ في العبادة ، وبذل الجُهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها .
وقد وصَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من أصحابِهِ بهذه الوصيَّةِ ، كما روى إبراهيمُ الهجريُّ ، عن أبي الأحوصِ ، عن أبي ذرٍّ ، قال : أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أنْ أخشى الله كأنِّي أراهُ ، فإنْ لم أكن أراه ، فإنَّهُ يراني .
ورُوي عن ابنِ عمرَ ، قال : أخذَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ببعض جسدي ، فقال : (( اعبُدِ الله كأنَّكَ تراهُ )) ، خرَّجه النَّسائيُّ ((9)) ، ويُروى من حديث زيد بن أرقم مرفوعاً وموقوفاً : (( كُنْ كأنَّكَ ترى الله ، فإنْ لم تكن تراه ، فإنَّهُ يراكَ )) ((10)) .
وخرَّج الطبراني ((11)) من حديث أنس : أنّ رجلاً قال : يا رسول الله ، حدثني بحديثٍ ، واجعله موجزاً ، فقال : (( صلِّ صلاةَ مودِّعٍ ؛ فإنَّكَ إنْ كنتَ لا تراهُ ، فإنَّه يراكَ )) .
وفي حديث حارثة المشهور - وقد رُويَ من وجوهٍ مرسلةٍ ((12)) ، ورُوي متصلاً ، والمرسل أصحُّ - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له : (( كيف أصبحت يا حارثة ؟ )) قال : أصبحتُ مؤمناً حقاً ، قال : (( انظر ما تقولُ ، فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقةً )) ، قال : يا رسول الله ، عزفَتْ نفسي عن الدُّنيا ، فأسهرتُ ليلي ، وأظمأتُ نهاري ، وكأنِّي أنظرُ إلى عرشِ ربِّي بارزاً ((13)) ، وكأنِّي أنظرُ إلى أهلِ الجنَّةِ في الجَنَّةِ كيف يتزاورونَ ((14)) فيها ، وكأنِّي أنظرُ إلى أهلِ النَّارِ كيفَ يتعاوَوْنَ فيها . قال : (( أبصرتَ فالزمْ ، عبدٌ نوَّرَ الله الإيمانَ في قلبه )) ((15)) .
ويُروى من حديث أبي أمامة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَّى رجلاً ، فقال له : (( استحي مِنَ اللهِ استحياءك مِنْ رجلين من صالحي عشيرتِك لا يفارقانك )) ((16)) . ويُروى من وجهٍ آخرَ مرسلاً ((17)) .
ويُروى عن معاذٍ أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَّاه لمَّا بعثه إلى اليمن ، فقال : (( استحي مِنَ اللهِ كما تستحي رجلاً ذا هيبةٍ من أهلك )) ((1)) .
وسئلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن كشف العورة خالياً ، فقال : (( الله أحقُّ أن يُستحيا منه )) ((18)).
ووصَّى أبو الدَّرداء رجلاً ، فقال له : اعبُدِ الله كأنَّكَ تَراه ((19)) .
وخطب عروة بنُ الزُّبير إلى ابنِ عمرَ ابنته وهما في الطَّواف ، فلم يُجبه ، ثم لقيَهُ بعد ذلك ، فاعتذر إليه ، وقال : كنَّا في الطَّوافِ نتخايلُ الله بين أعيننا . أخرجه أبو نعيم ((20)) وغيره .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( فإنْ لم تكن تراه فإنَّه يراك )) .
قيل ((21)) : إنّه تعليلٌ للأوَّل ، فإنَّ العبدَ إذا أُمر بمراقبة الله في العبادة ، واستحضارِ قُربِهِ مِنْ عبده ، حتى ((22)) كأنَّ العبدَ يراه ، فإنَّه قد يشقُّ ذلك عليه ، فيستعين على ذلك بإيمانه بأنّ الله يراه ، ويطَّلعُ على سرِّه وعلانيته وباطنه وظاهره ، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمره ، فإذا حقَّق هذا المقامَ ، سهُل عليه الانتقالُ إلى المقام الثاني ، وهو دوامُ التَّحديق بالبصيرة إلى قُربِ الله من عبدِه ومعيَّته ((23)) ، حَتّى كأنَّه يراه .
وقيل : بل هو إشارةٌ إلى أنّ مَنْ شقَّ عليه أنْ يعبُد الله كأنَّه يراه ، فليعْبُدِ الله على أنَّ الله يراه ويطّلع عليه ، فليستحي مِنْ نظره إليه ، كما قال بعضُ العارفين : اتَّقِ الله أنْ يكونَ أهونَ النَّاظرين إليك .وقال بعضُهم : خَفِ الله على قدر قُدرته عليك ، واستحي من الله على قدر قُربه منك .قالت بعضُ العارفات من السَّلف : مَنْ عملَ للهِ على المُشاهدة ، فهو عارفٌ ، ومن عمل على مشاهدة الله إيَّاهُ ، فهو مخلص . فأشارت إلى المقامين اللَّذين تقدَّم ذكرُهما :
أحدهما : مقام الإخلاص ، وهو أنْ يعملَ العبدُ على استحضارِ ((24)) مُشاهدةِ الله إياه ، واطِّلاعه عليه ، وقُربه منه ، فإذا استحضرَ العبدُ هذا في عمله ، وعَمِلَ عليه ، فهو مخلصٌ لله ؛ لأنَّ استحضارَهُ ذلك في عمله يمنعُهُ من الالتفاتِ إلى غيرِ الله وإرادته بالعمل .
والثاني : مقام المشاهدة ، وهو أنْ يعملَ العبدُ على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه ، وهو أنْ يتنوَّرَ القلبُ بالإيمانِ ، وتنفُذ البصيرةُ في العِرفان ، حتّى يصيرَ الغيبُ كالعيانِ .وهذا هو حقيقةُ مقامِ الإحسّان المشار إليه في حديث جبريلَ - عليه السلام - ، ويتفاوت أهلُ هذا المقام فيه بحسب قوَّة نفوذ البصائرِ .وقد فسَّر طائفةٌ من العُلماءِ المثل الأعلى المذكورَ في قوله - عز وجل - : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض } بهذا المعنى ، ومثلُهُ قولُه تعالى :
{ اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } ، والمراد : مثل نورِه في قلبِ المؤمن ، كذا قال أبيُّ بنُ كعبٍ ((25)) وغيرُه مِنَ السَّلَف .
وقد سبق حديث : (( أفضلُ الإيمانِ أنْ تعلمَ أنَّ الله معك حيثُ كنت )) ، وحديث : ما تزكيةُ المرءِ نفسه ؟ ، قال : (( أنْ يعلمَ أنَّ الله معه حيثُ كانَ )) .
وخرَّج الطبراني ((26)) من حديث أبي أُمامةَ ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( ثلاثةٌ في ظلِّ الله يومَ القيامةِ يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه : رجلٌ حيثُ توجه عَلِمَ أنَّ الله معه … )) ، وذكر الحديث .
وقد دلّ القرآنُ على هذا المعنى في مواضِعَ متعدِّدةٍ ، كقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } ، وقوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } ، وقوله : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } ، وقوله : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيه } ، وقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } ، وقوله : { وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَمَعَهُمْ }.
وقد وردت الأحاديثُ الصَّحيحةُ بالنَّدب إلى استحضار هذا القُربِ في حال العباداتِ ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أحدَكم إذا قامَ يُصلِّي ، فإنَّما يُناجِي ربَّه ، أو ربَّه بينه وبينَ القبلةِ )) ((27)) ، وقوله : (( إنّ الله قِبَلَ وجهه إذا صلّى )) ((28)) ، وقوله : (( إنّ الله ينصب وجهه لوجهِ عبدِه في صلاتِهِ ما لم يلتفِت )) ((29)) .
وقوله للذين رفعوا أصواتهم بالذِّكرِ : (( إنَّكم لا تَدعُونَ أصمَّ ((30)) ولا غائباً ، إنَّكُم تدعُون سميعاً ((31)) قريباً )) ((32)) ، وفي رواية ((34)) : (( وهو أقربُ إلى أحدكم من عُنُقِ راحلتِهِ )) ((35)) ، وفي رواية : (( هو أقربُ إلى أحدكم من حبل الوريد )) .وقوله : (( يقولُ الله - عز وجل - : أنا مع عبدي إذا ذكرني ، وتحرَّكت بي شفتاه )) ((36)) .
وقوله : (( يقولُ الله - عز وجل - : أنا مع ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه حيث ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرتُهُ في نفسي ، وإنْ ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خيرٍ منه ، وإنْ تقرّبَ منِّي شبراً ، تقرَّبتُ منه ذراعاً ، وإن تقرَّبَ منِّي ذراعاً ، تقرَّبتُ منه باعاً ، وإن أتاني يمشي ، أتيته هرولةً )) ((37)) .
ومن فهم من شيءٍ من هذه النصوص تشبيهاً أو حُلولاً أو اتِّحاداً ، فإنّما أُتِيَ من جهله ((38))، وسُوء فهمه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والله ورسولُه بريئانِ من ذلك كلِّه ، فسبحانَ مَنْ ليسَ كمثله شيءٌ ، وهو السَّميعُ البصيرُ .
قال بكرٌ المزنيُّ : مَن مثلُك يا ابنَ آدم : خُلِّي بينَك وبينَ المحراب والماء ، كلّما شئتَ دخلتَ على اللهِ - عز وجل - ((39)) ، ليس بينَكَ وبينَه ترجُمان ((40)) .
ومن وصل إلى استحضارِ هذا في حال ذكره الله وعبادته استأنسَ بالله ، واستوحش مِنْ خلقه ضرورةً .
قال ثور بن يزيد : قرأتُ في بعضِ الكُتب : أنَّ عيسى - عليه السلام - قال : يا معشر الحواريِّين ، كلِّموا الله كثيراً ، وكلِّموا الناسَ قليلاً ، قالوا : كيف نكلِّمُ الله كثيراً ؟ قال : اخلُوا بمناجاته ، اخلوا بدُعائه . خرَّجه أبو نعيم ((41)) .
وخرَّج أيضاً ((42)) بإسناده عن رياح ، قال : كان عندنا رجلٌ يصلِّي كلَّ يومٍ وليلةٍ ألفَ ركعة ، حتى أُقعِدَ من رجليه ، فكان يصلِّي جالساً ألف ركعة ، فإذا صلى العصر ، احتبى ، فاستقبل القبلةَ ، ويقول : عجبتُ للخليقةِ كيف أَنِسَتْ بسواك ، بل عجبتُ للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواكَ .
وقال أبو أسامة : دخلت على محمد بن النَّضر الحارثيِّ ، فرأيتُه كأنَّه منقبضٌ ، فقلت : كأنَّك تكره أنْ تُؤتى ؟ قال : أجل ((2)) ، فقلت : أوَما تستوحشُ ؟ فقال : كيف أستوحشُ وهو يقولُ : أنا جليسُ مَنْ ذكرني ((43)) .وقيل لمالك بنِ مِغْول وهو جالسٌ في بيته وحده : ألا تستوحشُ ؟ فقال : ويستوحشُ مع الله أحدٌ ؟وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ، ويقولُ : من لم تَقَرَّ عينُه بكَ ، فلا قرَّت عينُه ، ومن لم يأنس بكَ ، فلا أنِسَ ((44)) .
وقال غزوان : إنِّي أصبتُ راحةَ قلبي في مُجالسةِ مَنْ لديه حاجتي .
وقال مسلم بنُ يسار : ما تلذَّذ المتلذِّذونَ بمثلِ الخَلْوةِ بمناجاةِ اللهِ - عز وجل - ((45)) .
وقال مسلم العابد : لولا الجماعة ، ما خرجتُ من بابي أبداً حتّى أموت ، وقال : ما يجدُ المطيعونَ لله لذَّةً في الدُّنيا أحلى من الخلوة بمناجاة سيِّدهم ((46)) ، ولا أحسب لهم في الآخرة مِنْ عظيم الثَّواب أكبرَ في صدورهم وألذَّ في قلوبهم مِن النَّظر إليه ، ثم غُشي عليه .
وعن إبراهيم بن أدهم ، قال : أعلى الدَّرجات أنْ تنقطعَ إلى ربِّك ، وتستأنِسَ إليه بقلبِك ، وعقلك ((47)) ، وجميع جوارحك حتى لا ترجُو إلاَّ ربَّك ، ولا تخاف إلاَّ ذنبكَ ، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثِرَ عليها شيئاً ، فإذا كنت كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنت ، أو في بحرٍ ، أو في سَهْلٍ ، أو في جبلٍ ، وكان شوقُك إلى لقاء الحبيب شوقَ الظمآن إلى الماء البارد ، وشوقَ الجائعِ إلى الطَّعام الطيب ، ويكونُ ذكر الله عندكَ ((48)) أحلى مِنَ العسل ، وأحلى من المَاء ((49)) العذبِ الصَّافي عند العطشان في اليوم الصَّائف .وقال الفضيل : طُوبى لمن استوحش مِنَ النَّاسِ ، وكان الله جليسَه .
وقال أبو سليمان : لا آنسني الله إلاَّ به أبداً .
وقال معروف لرجلٍ : توكَّل على الله حتّى يكونَ جليسَك وأنيسَك وموضعَ شكواكَ .
وقال ذو النون : مِنْ علامات المحبِّين لله أنْ لا يأنَسُوا بسواه ، ولا يستوحشُوا معه ، ثم قال : إذا سكنَ القلبَ حبُّ اللهِ تعالى ، أنِسَ بالله ؛ لأنَّ الله أجلُّ في صُدورِ العارفين أنْ يُحبُّوا سواه .
وكلامُ القوم في هذا الباب يطولُ ذكرُه جداً، وفيما ذكرنا كفايةٌ إنْ شاء الله تعالى .
فمن تأمَّل ما أشرنا إليه ممَّا دلَّ عليه هذا الحديثُ العظيم ، علم أنَّ جميعَ العُلوم والمعارف ترجعُ إلى هذا الحديث وتدخل تحته ، وأنَّ جميع العلماء من فِرَقِ هذه الأمَّة لا تخرجُ علومهم التي يتكلَّمون فيها عن هذا الحديث، وما دلَّ عليه مجمَلاً ومفصَّلاً ، فإنَّ الفُقهاءَ إنَّما يتكلَّمون في العبادات التي هي من جملة خصال الإسلام ، ويضيفون إلى ذلك الكلامَ في أحكامِ الأموالِ والأبضاعِ والدِّماءِ ، وكلُّ ذلك من علمِ الإسلامِ كما سبق التنبيه عليه ، ويبقى كثيرٌ من علم الإسلامِ مِنَ الآدابِ والأخلاقِ وغير ذلك لا يَتَكلَّمُ عليه إلاَّ القليلُ منهم ، ولا يتكلَّمون على معنى الشهادتين ، وهما أصلُ الإسلام كلِّه .
والذين يتكلمون في أصول الدِّيانات ، يتكلَّمون على الشَّهادتين ، وعلى الإيمان باللهِ ، وملائكته ، وكتبه ، ورسُله ، واليومِ الآخرِ ، والإيمان بالقدر .
والذين يتكلَّمون على علم المعارف والمعاملات يتكلَّمون على مقام الإحسان ، وعلى الأعمال الباطنة التي تدخلُ في الإيمان أيضاً ، كالخشية ، والمحبَّة ، والتوكُّلِ ، والرِّضا ، والصَّبر ، ونحو ذلك ، فانحصرتِ العلومُ الشَّرعية التي يتكلَّمُ عليها فِرَقُ المسلمين في هذا الحديث ، ورجعت كلُّها إليه ، ففي هذا الحديث وحدَه كفايةٌ ، وللهِ الحمدُ والمنَّةُ .
__________
(1) في ( ص ) : (( وتارة بالإسلام وتارة بالتقوى )) .
(2) الصحيح 1/112 ( 181 ) ( 297 ) و( 298 ) .
(3) في ( ص ) : (( جعله الله - عز وجل - )) .
(4) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 1/146 .
(5) زاد بعدها في ( ص ) : (( وجه )) .
(6) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 2/15 .
(7) انظر : تفسير البغوي 5/225 ، وزاد المسير 9/57 .
(8) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم 1/146 .
(9) في " الكبرى " كما في " تحفة الأشراف " 5/278 .
وأخرجه : أحمد 2/132 ، والآجري في " الغرباء " ( 21 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 6/115 من حديث عبد الله بن عمر ، به . وهو حديث صحيح .
(10) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/202 موقوفاً ومرفوعاً ، والمرفوع ضعيف لضعف محمد بن حنيفة أبي حنيفة الواسطي . انظر : لسان الميزان 7/109 .
(11) في " الأوسط " ( 4427 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
وهنا قد وهم الحافظ ابن رجب رحمه الله فنسب الحديث إلى أنس ، وبعد تتبع طرق الحديث وجدناه من طريق عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وفي إسناد الحديث ضعف لجهالة بعض رواته ، قال الهيثمي في " المجمع " 10/232 : (( وفيه من لم أعرفهم )) .
(12) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 314 ) مرسلاً .
(13) في ( ص ) : (( وكأني بعرش الرحمان بارزاً )) .
(14) في ( ص ) : (( وكأني بأهل الجنة يتزاورون )) .
(15) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 3367 ) ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " ( 10591 ) ، من حديث الحارث بن مالك ، به مرفوعاً ، وهو ضعيف .
وأخرجه : البزار ( 32 ) ، والبيهقي في " شُعب الإيمان " ( 10590 ) من حديث أنس بن مالك ، به مرفوعاً . وهو ضعيف .
(16) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7897 ) من حديث أبي أمامة به ، وهو جزء من حديث طويل ، وإسناده ضعيف ؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان .
(17) أخرجه : أحمد في " الزهد " (248 ) من طريق سعيد بن يزيد ، مُرسلاً .
(18) أخرجه : البزار ( 2642 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 825 ) من حديث معاذ ابن جبل ، به ، وإسناده ضعيف ؛ لضعف ابن لهيعة ، ولعنعنة أبي الزبير . =
= وأخرجه : مالك في " الموطأ " ( 2626 ) برواية يحيى الليثي بلفظ : أنَّ معاذ بن جبل قال آخر ما أوصاني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلي في الغرز أنْ قال : (( أحسن خلقك للناس مُعاذ بن جَبل )) ، وهو منقطع .
(19) أخرجه : عبد الرزاق ( 1106 ) ، وأحمد 5/3 و4 ، وأبو داود ( 4017 ) ، وابن ماجه
( 1920 ) ، والترمذي ( 2769 ) و( 2794 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 8972 ) ، والحاكم 4/179-180 ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/121-122 ، والبيهقي 1/199 و2/225 و7/94 وفي " شُعب الإيمان " ، له ( 7753 ) وفي " الآداب " ، له ( 716 ) ، والخطيب في " تاريخه " 3/261-262 من حديث معاوية بن حيدة ، به ، وهو جزء من حديث طويل ، وهو حديث حسن .
(20) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/211-212 .
(21) في " الحلية " 1/309 .
(22) في ( ص ) : (( يعني )) .
(23) في ( ص ) : (( وهيبته )) .
(24) زاد في ( ص ) : (( الله لأن الاستحضار ذلك )) .
(25) اخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 19757 ) ، وطبعة التركي 17/298 ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2593 ) و( 2594 ) ، وممن قال بهذا المعنى سعيد بن جبير والضحاك .
(26) في " الكبير " ( 7935 ) ، وإسناده ضعيف جداً ، فيه بشير بن نمير متروك . انظر : مجمع الزوائد 10/279 .
(27) أخرجه : الحميدي ( 1219 ) ، وأحمد 3/176 و273 و278 و291 ، والبخاري 1/112 ( 413 ) و1/140 ( 531 ) و2/82 ( 1214 ) ، ومسلم 2/76 ( 551 ) ( 54 ) ، وأبو عوانة 1/338 ، وابن حبان ( 2267 ) ، والبيهقي 1/255 و2/292 ، والبغوي ( 491 ) من حديث أنس بن مالك ، به .
(28) أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 522 ) برواية يحيى الليثي ، وأحمد 2/66 ، والبخاري 1/112 ( 406 )، ومسلم 2/75 ( 547 ) ( 50 )، وأبو داود ( 479 ) والنسائي 2/51 ، وأبو عوانة 1/336 و337 ، والبيهقي 2/293 ، والبغوي ( 494 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
(29) أخرجه : معمر في " جامعه " (20709 ) ، وأحمد 4/130 و202 و344 ، والترمذي
( 2863 ) و( 2864 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 8866 ) و( 11349 ) ، وأبو يعلى
( 1571 ) ، وابن خزيمة ( 483 ) و( 930 ) و(1895 ) وفي التوحيد ، له : 15 ، وابن حبان ( 6233 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3427 ) و( 3428 ) و( 3430 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 2870 ) ، والآجري في "الشريعة" : 8 ، وابن منده في "الإيمان" ( 212 ) ، والحاكم 1/117-118 و236 و421-422 من حديث الحارث الأشعري ، به . والروايات مطولة ومختصرة ، وقال الترمذي : (( حسن صحيح غريب )) .
(30) زاد بعدها في ( ص ) : (( ولا أبكم )) .
(31) زاد بعدها في ( ص ) : (( بصيراً )) .
(32) أخرجه : البخاري 4/69 ( 2992 ) و5/169 ( 4202 ) و8/101 ( 6384 ) ، ومسلم 8/73 ( 2704 ) ( 44 ) من حديث أبي موسى الأشعري ، به .
(33) في ( ص ) : (( حديث )) .
(34) أخرجه : مسلم 8/74 ( 2704 ) ( 46 ) ، وأبو داود ( 1526 ) و( 1527 )
و( 1528 ) ، والترمذي ( 3374 ) و( 3461 ) من حديث أبي موسى الأشعري ، به .
(35) أخرجه : أحمد 2/540 ، والبخاري في " خلق أفعال العباد " ( 57 ) ، وابن ماجه ( 3792 ) ، وابن حبان ( 815 ) ، والبيهقي ( 509 ) و( 510 ) ، والبغوي في ( 1242 ) من حديث أبي هريرة ، به .
وأخرجه : الحاكم 1/496 من حديث أبي الدرداء ، به .
(36) أخرجه : الطيالسي ( 2387 ) ، وأحمد 2/251 و316 و354 و405 و413 و435 ، والبخاري 9/147 ( 7405 ) و9/192 ( 7537 ) وفي "خلق أفعال العباد" ، له ( 55 ) ، ومسلم 8/62-63 ( 2675 ) ( 2 ) و( 3 ) و8/66-67 ( 2675 ) ( 19 ) و( 20 ) و( 21 ) و8/91 ( 2675 ) ( 1 ) ، وابن ماجه ( 3822 ) ، والترمذي ( 3603 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 7730 ) من حديث أبي هريرة ، به . والروايات مطولة ومختصرة .
(37) في ( ص ) : (( فإنه من جهله )) .
(38) زاد بعدها في ( ص ) : (( فإنه )) .
(39) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/229 .
(40) في " الحلية " 6/195 .
(41) أبو نعيم في " الحلية " 6/195 .
(42) في ( ص ) : (( نعم )) .
(43) أخرجه : البيهقي في " شُعب الإيمان " ( 709 ) .
(44) زاد بعدها في ( ص ) : (( الله به )) .
(45) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/294 .
(46) في ( ص ) : (( الله - عز وجل - )) .
(47) في ( ص ) : (( وعينك )) .
(48) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/108 .
(49) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/360 .
كتاب جامع العلوم والحكم لان رجب الحنبلي