آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ما معنى الإستغاثة والإستعانة ؟

السؤال الأول : ما معنى الإستغاثة والإستعانة ؟

1 -الإستغاثة : طلب العبد الإغاثة ممَّن يقدر عليها حقيقةً وهو الله تعالى أو ممّن أقدرهم الله عليها بحوله وقوته وهم أنبياؤه واولياؤه وعبادُه .

2 - الإستعانة : طلب العبد العونَ ممَّن هو قادر عليه بذاته وهو الله تعالى ، أو ممّن خلق الله فيه القدرة على الإعانة وهم عبادُه .

السؤال الثاني : هل يجوز الطلب من غير الله ؟ 
وما هي الأدلة على الجواز إذا قيل به ؟
الجواب مجملاً : يجوز طلب الإغاثة والإعانة طلباً لسانياً من جميع الأسباب العادية التي جرت سنَّة الله تعالى بخلق الإمداد بها وإجرائه عليها ، مع اعتقاد عدم تأثيرها في شيء من المقادير ، وعدم قيامه عليها ، مع اعتقاد عدم تاثيرها في شيء من المقادير ، وعدم قيامها بنفسها ، وعدم استقلالها بالوجود .
     وهذا الجواز بإجماع من يعتدُّ بهم من علماء السلف والخلف ولم يخالف في ذلك إلا المبتدعة ولا يعتد بخلافهم .
الجواب مفصَّلاً . السَّبب العادي عند علماء العقيدة الإسلامية هو ربط أمر بأمر وجوداً وعدماً مع صحة التخلف من غير أن يؤثّر أحدُهما في الآخر البتة .
     وعالَم الخَلْق وعالم الأمْر بجميع افرادها داخلان في الأسباب العادية التي ليس لها تأثير ذاتي في إيجاد أو إمداد ، وليس في شيء منها قوى مودَعة ، وليس لشيء منها قيام بنفسه . بمعنى أنَّه لا يصح استغناء شيء منها عن الله تعالى وإمداده طرفةَ عَيْن .
    فالعالم كُلُّه من عَرشه إلى فَرْشه قائم بقيمومية الله تعالى وإمداده وحوله وقوته ، وهذه الأسباب العادية تنقسم إلى قسمين :
1 - قسم جرت سنة الله تعالى أن يخلق على يديه قَدَراً ما لمن هو في عالَم الشهادة وذلك كالملائكة والبشر ، وهذا الكمال عالَم خلقه لوجود إمداد من الله تعالى له بصفات المعاني السبعة من حيث تَعَلَّقاتُها .
2- قسم لم تجر سنة الله تعالى ان يخلق على يديه أو عليه قدراً ما لمَن هو في عالم الشهادة وذلك لنقص عالمها عن إمداد الله تعالى بصفات المعاني جميعها ، وإن وُجد إمداد ببعضها وذلك كالجماد والحيوان .
     وبناءً على وجود هذا الفارق المشاهَد والموافق للواقع بين هذا القسمين لا يصح لنا ان نقيس الجماد والحيوان على الملائكة والبشر ، ولا يصح ان نسوّي بينهما ، فلا نعتبر مَن توجَّه بسؤال ما إلى مَلك او بشر مماثلاً لمن توجّه بسؤاله إلى حيوان أوحجر ، ولا يصح كذلك أن نعتبر الأسباب العادية التي يُجري الله عليها المقادير والإمداد في عالم الشهادة الظاهر كالملائكة والبشر مثل الأسباب العادية التي لا يُجري الله عليها شيئا من ذلك كالإصنام التي كان يعبدها الجاهلون .
     فيجوز شرعا وعقلا أن يطلب الإنسان بلسانه غوثاً أو عوناً من سبب عادي جرت سنة الله تعالى بخلق غوْث أو عوْن على يديه ، ويكون قلبه أثاء طلبه اللساني مشاهداً ومعتقداً أنّ ذلك السبب العادي قيامه بقيومية الله ، وحولُه وقوتُه بالله ، وأنَّ ما يجري على يديه إنّما هو بخلق الله وإمداده وليس للسبب تأثير ذاتي في شيء من ذلك القَدَر البتة .
     فاللّسان يسأل الإنسان والقلب يشاهد الرَّب ، اللّسان يسأل السبب والقلب يشهد فعل الرَّب عطاءً أو منعاً .
وقد ذكر علماء التوحيد والعقيدة :
     أنَّ السبب واجب ونفي التأثير عنه واجب ، وأنَّ من نفى الأسباب فقد عطَّل الحكمة ومن أثبت لها التأثير فقد أشرك بالله .

أدلة جواز الإستعانة والإستغاثة من الكتاب والسنّة

1- في سورة القصص قوله تعالى :( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ).
     يقص الله تعالى علينا قصة رجل قبطي من شيعة نبي الله سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام استغاث بالنبي فأغاثه . والأنبياء عليهم السلام كلُّهم جاؤوا بالتوحيد وعدم الشرك ، فلو كانت استغاثة الرجل به نوع من الشرك لنهاه عن ذلك ولما قصَّ الله علينا ذلك مقَرّراً له .
2- في سورة الكهف قوله تعالى حاكيا عن ذي القرنين وهو مسلم مؤمن :(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) فقد طلب من أتباعه أن يُعينوه ، ولو كان طلب العَوْن منهم نوعا من أنواع الشرك لما أقرّه الله على ذلك ولأنكره عليه ، ولما ذكره كتابه مقرّراً له .
فإن قيل : هذا شرع من قَبْلنا .
فالجواب : هذا ليس حكما من أحكام الشريعة التي يجوز أن تقبل النسخ ، وإنّما هو من أمور العقائد المتعلقة بالتوحيد ، وأمور العقائد لا فرق فيها بين جميع الشرائع السماوية لأن جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام عقيدتهم واحدة لا شركَ فيها بوجه من الوجوه .
    وقد ورد في شرعنا ما يماثله وذلك في نصوص كثيرة منها قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فلولا وجود عَوْن عند كل واحد منّا من الله تعالى إمداداً لَما وُجد مضمون الأمر والنَّهي الوارد في هذا النَّص في الواقع امتثالاً ، ويكون هذا النَّص حينئذ مُعطّلا وهو باطل .
     وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(واللهُ في عَوْن العَبْد ما كان العبد في عَوْن أخيه) (رواه مسلم) فالله يعينك ويعين بك أخاك ، ونَسَب ذلك إلى العبد وأضافه إليه مجازاً ، لاعتقادنا أنَّه لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم .
     فإذا قلت لعبد أَعنّي أو أَغثني فالمراد من ذلك : أعنّي بعون الله تعالى الذي أمدّك به ، وأغثني بحول الله تعالى وقوّته التي أيَّدك بها .
     ومن اعتقد ان مخلوقاً يُعين أو يُغيث او ينفع أو يضرُّ بذاته من ذاته فهو مُشرك .
فإن قيل : قولك أعنّي أو أغثني سؤال المخلوق ، فكيف جاز ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما : (إذا سَأَلتَ فاسأل الله وإذا استعنتَ فاستعن بالله ) ؟ (رواه الترمذي).
فالجواب قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا لابن عباس رضي الله عنهما لا يعني إلغاء الأسباب ، ولا ينفي سؤالها والطلب منها طلبا لسانيا ، وإنّما معناه - والله ورسوله أعلم - أنّه إذا عرضت لك حاجة فاسألها من الله تعالى قبل توجهك اللساني الظاهر إلى الأسباب التي ترجو ان يكون قضاء تلك الحاجة على أيديها ، وبعد هذا التوجه القلبي لله ان يُيَسّر قضاء تلك حاجتك تلك على أيدي الصالحين من عباده تتوجّه بالطلب اللساني منهم .
ويصح أن يقال أيضا : حالَ سؤالك اللّساني للأسباب تحقق أنّك تسأل الله تعالى ، لأنّه هو الذي يُجري ما يشاء من المقادير على أيدي خلقه بحوله وقوّته ، وليسوا شركاء معه في شيء منها ، فاشهد بعد ذلك التحقق القلبي المقرون بالسؤال اللّساني للأسباب ما سيخلقه الله تعالى ويُجريه من مَنع أو عطاء .
     والذي أوجب هذا التأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه :"سَلْني" قال "أسألك مرافقتك في الجنَّة" قال : "أو غير ذلك" قال :"هو ذاك" قال :"فأعنّي على نفسك بكثرة السجود" .(رواه مسلم)
     فهل النبي صلى الله عليه وسلم يامر ربيعة بالشّرك عندما يقول له :"سلني" ؟ حاشاه من ذلك ، وعندما قال له ربيعة :"أسألك مرافقتك في الجنّة" لم يقل له لا أقدر على ذلك أو لم يؤذن لي فيه أو ليس هذا من اختصاصي ولا في وُسعي بل عليك أن تسأل الله ذلك ، وإنّما قبل منه سؤاله وأقرَّه عليه وقال له :"أعنّي على نفسك بكثرة السجود".
     فلولا أن ربيعة كان يشهد بقلبه وحدانيّة الله تعالى وأنّ نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليس شريكا مع الله في شيء وأنّ حوله وقوّته بالله وأن الله هو الذي يُجري ما يشاء من المقادير على يديه لما قال له :" سلني " .
     وفي حديث ربيعة هذا ردٌّ على القائلين بأنّه يُطلب منه ما يقدر عليه ولا يُطلب منه ما لا يقدر عليه ، وذلك لأنّ المرافقة في الجنة لا يقدر عليها أحد من البشر فكيف وافقه النبي صلى الله عليه وسلم على طلبه هذا ؟
     فتبيّن أننا نتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم عند الطلب منه فيما هو معتاد للبشر ، إنّما نتعامل معه فيما ليس مُعتادا لهم باعتبار خصوصيته عليه الصلاة والسلام فيما انفرد به عن الخلق جميعا إلا الأنبياء ، بوصف النبوة والرسالة الذي شاركه فيه إخوانه الأنبياء والمرسلون عليهم السلام ، وسرى إلى وُرَّاثهم شيء منه يُسَمّى عند علماء التوحيد الكرامة وهو الأمر الخارق للعادة لا الجاري على وَفق العادة مما يقدر عليه البشر . 
     وقد رأيت في كلام السيد المحدّث محمد علي المالكي جزاه الله خيرا ما يوضح هذا الأمر وأنا أنقله بلفظه ّ :
     (وقد طلب نبي الله سليمان عليه السلام من أهل مجلسه من الجنّ والإنس أن يأتوا بعَرش بلقيس العظيم من اليمن إلى موضعه بالشام ، والإتيان بالعرش لا يقدر عليه إلاّ الله وليس داخلا تحت مقدور الإنس ولا الجن عادة ، وقد طلبه نبي الله سليمان من أهل مجلسه وقال له ذلك الصديق :"أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" .
     فهل طلب نبي الله سليمان كفر ؟ وهل جواب ذلك الولي شرك ؟ حاشاهما من ذلك ، بل هذا على طريقة خَرْق العادة فيكون ممَّا أقدرهم الله عليه وملّكهم إيّّاه ، وإسناد الفعل إليهما على طريقة المجاز) .

كتاب : الإسعاد في جواز التوسل والإستمداد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية