{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }
الإشارة:
قال القشيري: قيامةُ الكل مؤجَّلة، وقيامةُ المحبين مُعَجَّلة، في كلِّ نَفَسٍ من العتاب والعذاب، والبعَاد والاقتراب، ما لم يكن في حساب، وشهادة الأعضاء بالدمع تشهد، وخفَقَانُ القلب ينطق، والنحولُ يُخْبِرُ، واللونُ يفضح، والعبد يستر، ولكن البلاء يُظهر، قال:
يَا مَن تَغَيَّرُ صُورَتِي لَمَّا بَدا لِجَمِيعِ ما ظَنوا بِنَا تَحْقِيقُ
وقوله تعالى: { إِذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين } ، هو في حق مَن فاته التأهُّب والترقِّي في هذه الدار، فتحسَّر حين يُعاين مقامات الرجال، وليس له شفيع يُرقيه، ولا حميم يُصافيه. وقوله تعالى: { يعلم خائنة الأعين } هو في حق العارفين: النظر إلى السِّوى بعين الاستحسان. قال القشيري: خائنة الأعين هي من المحبين استحسانهم شيئاً ـ أي: من السِّوى ـ وأنشدوا:
يَا قُرَّةَ العَيْن: سَلْ عَيني هَلْ اكْتَحَلَتْ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ مُذْ غِبْتَ عَنْ عَيْنِي؟
وأنشد أيضاً:
وعَيْني إِذا اسْتَحْسَنَتْ غَيْرَكُمْ أَمَرْتُ الدَّمعَ بِتأدِيبها
قلت: ومثله قول الشاعر:
وناظرٌ في سِوى مَعْناكَ حُقَّ لَهُ يَقتَصُّ مِنْ جَفْنِه بالدَّمْع وهُو دَمُ
والسَّمْعُ إِنْ جالَ فِيهِ ما يُحدِّثُه سوَى حَدِيثكِ، أَمْسى وَقْرُه الصَّمَمُ
ثم قال: ومن خائنة الأعين: أن تأخذهم السِّنَةُ والسِّنات في أوقات المناجاة، وفي قصص داود عليه السلام: " كَذَبَ مَن ادَّعَى محبتي، فإذا جَنَّهُ الليل نام عني، ومن خائنة أعين العارفين: أن يكون لهم خير، أي: استحسان يقع لقلوبهم مما تقع عليه أعينهم، ينظرون ولكن لا يُبصرون ـ أي: ينظرون إلى المستحسنات، ولكن لا يقفون معها ـ ومن خائنة أعين الموحِّدين ـ أي: السائرين للتوحيد ـ أن يخرج منها قطرة دمعٍ، تأسفاً على مخلوق يفوت من الدنيا والآخرة، ومن خائنة الأعين: النظرُ إلى غير المحبوب بأَي وجهٍ كان، ففي الخبر: " حُبَّكَ الشيء يُعْمِي ويُصمُّ " أي: يُغَيبك عن غيره، فلا ترى إلا محاسن الحبيب، وجماله في مظاهر تجلياته، وإليه يشير قول ابن الفارض رضي الله عنه:
عَيْنِي لِغَيْرِ جَمَالِكُمْ لاَ تَنْظر وَسِوَاكُم في خَاطِري لاَ يَخْطُر
وقوله تعالى: { والله يقضي بالحق } قال القشيري: يقضي للأجانب بالبعاد، ولأهل الوداد بالوصال، ويقضي يومَ القدوم بعدل عُمال الصدود. هـ. أي: يعدل في أهل الصدود عن حضرته، فيجازيهم بنعيم الأشباح فقط. ثم قال: وإذا ذبح الموت غدا بين الجنة والنار على صورة كبش أملح، فلا غَرو أن يذبح الفراق على رأس سكة الأحباب، في صورة شخص، ويُصلب على جذوع الغيرة، لينظر إليه أهل الحضرة. هـ. ثم أمر بالتفكُّشر ـ الذي هو طريق النجاة من كل ضرر ـ فقال: { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ }.