آخر الأخبار

جاري التحميل ...

نبذة مختصرة في ذكر اعتقاد أئمة الهدى من الصوفية.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه نبذة مختصرة في ذكر اعتقاد أئمة الهدى من الصوفية: الإمام الجنيد بن محمد، وسهل التُستري أنموذجاً، أردتُ منه إبراز ما كان عليه أئمة الصوفية المتقدمين من سلامة المعتقد، والتزام سُنن الأئمة المتبوعين، وذلك بجمع أقوالهم المعروفة من مصادرها الأصلية دون ما زاده المتأخرون من الصوفية، وما توسعوا في نسبته لهم من الأقوال والكتب، وعلى هذا انتظم البحث في القضايا الآتية:
‌أ- ترجمة مختصرة للإمام الجنيد رحمه الله، مع بيان ما يصح له من كتب ورسائل.
‌ب- جمع المرويات عنه في مسائل الاعتقاد - وقد اقتصرت على بعضها لكثرة ماروي عنه -.
‌ج- ترجمة مختصرة للإمام سهل التستري رحمه الله مع بيان ما يصح له من الكتب والرسائل.
‌د- جمع المرويات عنه في مسائل الاعتقاد، والمراد البعض دون الكل.
أسأل الله السداد في القول والعمل.
د. عبدالله بن صالح البراك
الأستاذ المشارك بكلية التربية
جامعة الملك سعود
***

من الصعوبات التي تواجه الباحث في دراسة التصوف والمتصوفة:

- عدمُ تمييز بداية التصوف الحقيقي، والتصوف- كما لا يخفى- لم يكن قبل الإسلام ,ولم يكن أحدٌ من الصحابة أو التابعين صوفياً، وكان تعبير ابن الجوزي دقيقاً في كتابه "صفة الصفوة" لما جعل الصحابة والتابعين ومن بعدهم زهاداً، ورتبهم على طبقات, ثم تطور الزهد في أول نشأته، وتحوَّل إلى قضايا أخرى.
- لا شك أن دخول الأدعياء (سلوكاً وقولاً) وجعل ما يصدر منهم حَكماً على الصوفية له أثرٌ كبير في نقل صورة مشوهة عن أئمة الصوفية المتقدمين([1])، وقد حذَّر السراج في مقدمة كتابه من المتشبعين بأهل التصوف([2]).
- أن أخذ بعض أقوال أئمة التصوف العامة، وخاصة أن كلَّ إمام يُدوِّن تجربته وما يجده هو في نفسه من معايشته لتجربته... يشكل خلطاً عند المتلقي!.
- بعض المنتسبين وكُتَّاب المتصوفة جعلوا المروي عن المتأخرين منهم هو الأصل ,ويحكون الأقوال والقصص المستشنعة ,فيظن بعض الباحثين أن هذا هو دين الصوفية كلهم([3]).
يقول د. محمود النواوي: "وأما التصوف المخلوط بالشطح والبدع الخارجة عن سنن الأولين من السلف الصالحين، فإنه شيء إثمه أكبر من نفعه.."([4]).
وهذا الأمر قديمٌ جداً, يمكن أن يُمثل بما ذكر السراج في "اللمع": باب في كلمات شطحيات تحكى عن أبي يزيد قد فسر الجنيد طرفاً منها([5]).
ومن الآفات في كتب التصوف: عدم تحري الدقة في النقل وضبط الأقوال والوقائع المروية([6]).

قواعد مهمة:

من القواعد المهمة لدراسة اعتقاد أئمة الصوفية أن يُلْحَظ تأكيدهم رحمهم الله تعالى على أمر التوحيد والتواصي به, من كما ذكر الكلاباذي في التعرف([7])، والسراج في اللمع([8]).
وكذا ما يورده أصحاب كتب العقائد المصنِّفين من الصوفية مثل ما ذكر عمرو ابن عثمان المكي – وهو من صحب الجنيد – في كتابه "التعرف بأحوال العباد والمتعبدين" من التأكيد على أمر التوحيد وإثبات الصفات لله تعالى([9]).
وقد أورد ابن خَفِيف في كتابه "اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات" أورد جملاً من الاعتقاد ثم قال "إلا أنني أحببتُ أن أذكر عقود أصحابنا المتصوفة فيما أحدثه طائفة انتسبوا إليهم مما قد تخرصوا من القول مما نزه الله المذهب وأهله من ذلك"([10])، ومعمر الأصبهاني في وصيته لأصحابه([11])، وأبو نعيم الأصبهاني في عقيدته([12]).
قال القشيري: "اعلموا أن شيوخ هذه الطائفة بَنَوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع، ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل"([13]).
وقد أثنى ابن تيمية على متقدمي الصوفية حيث قال: "وهؤلاء المشائخ لم يخرجوا في الأصول الكبار عن أصول (أهل السنة والجماعة), بل كان لهم من الترغيب في أصول أهل السنة والدعاء إليه والحرص على نشرها ومنابذة من خالفها مع الدين والفضل والصلاح ما رفع إليه به أقدارهم"([14]).

منهج الجمع:

اعتمدتُ في إيراد أقوال الإمام الجُنيد وسهل – رحمهما الله- على:
- المُسند من أقوالهما، وما نُقل عنهما في الكتب واستفاض شهرة عنهما.
- ما نُقل مما يخالف المعهود عنهما([15])، أتوقف في نسبته، وأُوضحه بضمه إلى المحكم من أقوالهم.
"والكلام المجمل من كلامهم يُحمل على ما يناسب سائر كلامهم"([16]).
- ما روي من رسائل مستغربة فيها ألفاظ منكرة تخالف المعهود من الألفاظ، وتخالف ما ذكر صاحب "اللمع "لما أوردَ صدور رسائل الجنيد المعهودة عنه..([17])، أو ما في الحلية([18])، وماسوى ذلك فإني أتوقف فيه.
- والقاعدة التي نحاكم بها الجنيد وسهلاً ومن قبلهم ومن بعدهم: أن ما ثمَّ معصوم من الخطأ غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب القبر عليه الصلاة والسلام. وكما سبق فإن الصوفية أنفسهم قاموا بعملية نقد ذاتي([19]).
- بعد جمع المرويات تجمّع لدي مسائل عديدة, فهذا جعلني أقتصر على بعض المسائل في مسائل الاعتقاد كما تراه في هذا البحث، وأرجأت جملة من المسائل لجزء آخر، منها:
الخوف، الرجاء، التوكل، الإخلاص، الإيمان، المحبة، رؤية الله، المعية، القُرب، الكرامة، السماع. هذا بالنسبة للجنيد, وأما للإمام سهل: المحبة, الرؤية, الكرامات
- أُعلق على بعض الأقوال – باختصار – مع الإشارة إلى أطراف المسألة في الهامش.

الجُنيد:

هو الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي، ثم البغدادي، ولد ببغداد سنة نيف وعشرين ومئتين.
قال أبو نعيم: كان في أول أمره يتفقه على مذهب أصحاب الحديث مثل أبي عبيد وأبي ثور..، قال الخطيب: وأسند الحديث عن الحسن بن عرفة.
ثم أقبل على شأنه وتأله وتعبد وصحب الحارث المحاسبي، وأبا حمزة البغدادي "فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله" قاله أبو نعيم.
قال الخطيب مؤكداً ذلك: "ثم اشتغل بالعبادة ولازمها حتى علت سِنه، وصار شيخ وقته، وفريد عصره في علم الأحوال والكلام على لسان الصوفية".
قال ابن المناوي: سمع الحديث الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين، وأهل المعرفة، ورُزق من الذكاء وصواب الجواب، لم يُر في زمانه مثله في عِفةٍ وعُزوفٍ عن الدنيا.
يقول عن نفسه – رحمه الله -: كنت أُفتي في حلقة أبي ثور الكلبي (م سنة 240) ولي عشرون سنة.
وقد أفرد الهجويري للجنيد فرقة سماها (الجنيدية)، وفرّق بينه وبين فرقة (الطيفوريين) ص419.

محنة الجنيد:
لا يمكن لدارس الجنيد أن يمر مرور الكرام على هذه الفتنة، والتي طالت الصوفية، والجنيد خاصة، واتهم فيها بالكفر والزندقة([20])!... وكان المحرّض لها رجل يُدعى: غلام خليل([21])، أنكر على بعض الصوفية قولهم في المحبة، وكان يقول: الخوف أولى بنا...، فطلبهم بأمر الخليفة فاختفى عامتهم، وبعضهم خلّصته العامة.
ووصفه- أي غلام خليل- الهجويري بأنه رجل مرائي، ويدعي التصوف... وذكر سعيه إلى الخليفة ص349.
ويرى صاحب كتاب "الإمام الجنيد" زهير ظاظا أن القصة مختلقة، ولم يُورد الدليل على هذا الاختلاق، إلا تردد بعض المترجمين في تفاصيل القصة ,وهذا لا يكفي في رد القصة والفتنة. ([22])
وأطبق علماء التراجم على الثناء عليه، وعلى فضله وزهده, فمن ذلك:
قال أبو نعيم: كان الجُنيد رحمه الله ممن أحكم علم ا لشريعة([23]).
وقال السلمي: "وهو من أئمة القوم وسادتهم، مقبولٌ على جميع الألسنة"([24]).
وقال ابن تيمية: " أحد الأئمة العارفين" ([25]).
وقال السبكي: "سيد الطائفة ومقدَّم الجماعة"([26]).
وقال الذهبي: "كان شيخ العارفين وقُدوة السائرين وعَلَم الأولياء في زمانه"([27]).

كتبه:
لم ينص أحدٌ من المتقدمين على الكتب التي تنسب إليه إلا ما نجده عند ابن النديم في "الفهرست"، فهو يقول: له من الكتب: كتاب المحبة، الخوف، الورع، الرهبان([28])، ولذا يحيط الشك بنسبتها إليه، ما عدا رسائله التي لم تخل من إضافات المتأخرين سيّما العجم منهم([29]).
سمى له السراج في اللمع كتاب "تفسيركلام أبي يزيد"([30]).
له جملة من الرسائل منها:
- القصد إلى الله.
- السر في أنفاس الصوفية.
- الفرق بين الإخلاص والصدق([31]).
وغيرها من الرسائل، وله أسئلة موجهة إلى علماء مثل كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي([32]),كتابه الجنيد إلى يوسف بن يحيى وغيرها، وهذه قد أوردها من المتقدمين أبو نعيم في "الحلية" مما يطمن النفس في نسبة الرسائل إليه.
أما ما يتعلق بالكتب:
- كتاب تصحيح الإرادة:
نص عليه الهجويري في كشف المحجوب ص584.

رسائل الجنيد:
ويمكن أن نمثل لنموذج من النقد الموجه للرسائل:
أ- رسالة الجنيد إلى أبي يعقوب يوسف بن الحسن الرازي.
نشرها د. علي حسن عبدالقادر في رسائل الجنيد.
وأثار د. مجدي محمد إبراهيم التشكيك في صحة الرسالة من وجوه؛ لأن بعض الفصول لا يتفق وروح منهجه وأسلوبه في العرض، وطريقته في استخدام الجمل، وتركيبات العبارة...([33]).
ب- رسالة القصد إلى الله.
قال د. رجب جمال، دار خلاف،: فيرى نيكلسون في مجلة إسلامكا، أن هذا الكتاب ليس من عمل الجنيد؛ لأن فيه نصاً مؤرخاً سنة 395هـ، ثم رأى الدكتور أن الخطأ قد يكون من الناسخ! ص17 هامش (1).

وفاته:
توفي سنة 298هـ يوم الجمعة في بغداد.
أهم مصادر ترجمته:
- طبقات الصوفية ص155.
· حلية الأولياء 10/255
· تاريخ بغداد 7/241.
· طبقات الشافعية 2/260.
· السير 14/66.
· تاريخ الإسلام ص118، وفيات سنة 298.
· الطبقات الكبرى للشعراني 1/72.
· طبقات الأولياء لابن الملقن 126.
(لوازم الطريق، وصفات السالكين)([34])
1-قال الجنيد: "الطرق كلها مسدودةٌ على الخلق، إلا على من اقتفى([35]) أثر([36]) الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبع سنته، ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه"([37]).
2-وقال الجنيد: "من لم يحفظ القرآن, ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسنة"([38]).
· وساق في الحلية بسنده:
3-قال غير مرة: "علمنا مضبوطٌ: الكتاب([39]) والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به"([40]).
· 4-وسئل عن أول مقام التوحيد فقال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأنك تراه"([41]).

التعليق:
وهذه النصوص "تنبه على أنهم كانوا مجمعين على تعظيم الشريعة، متصفين بسلوك طريقة الرياضة، متفقين على متابعة السنة، غير مخلِّين بشيء من آداب الديانة. وبوب السراج في اللمع على ذلك بقوله: "باب ما ذكره عن المشايخ في اتباعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيصهم في ذلك" "([42]).
· لا يقبل أن يُفسَّر كلام الإمام الجنيد وغيره في التقيد بالكتاب والسنة، أنهم أرادوا دفع المشقة عن النفس([43])، لإن مفسِّر كلامه هذا التفسير مطالبٌ بالدليل والبرهان.
5- قال الهروي في ذم الكلام :
وساق بسنده إلى الجنيد "أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب من القلب، والقلب إذا عري عن الهيبة من الله، فقد عري من الإيمان"([44]).
· الكلام الذي حذر منه الإمام الجنيد المراد به ما دخل على المسلمين من إثبات العقائد بالأدلة العقلية والمقاييس المنطقية البعيدة عن الوحي.
وقد روي عن أئمة المذاهب الأربعة نحو هذا الكلام، من ذلك:
قول الإمام مالك: "إياكم والبدع. فقيل: يا أبا عبدالله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"([45]).
وقال الإمام الشافعي: "إن سألك رجل عن شيء من الكلام فلا تجبه"([46]).
بل وصل ببعضهم تكفير عوام المسلمين([47]).
* وهذا لا يمنع من المجادلة للمخالف، فلا ريب أن هذا قد يكون واجباً أو مستحباً، وما كان كذلك لم يكن مذموماً في الشرع([48]).

(التوحيد)

6-قال الجنيد: "التوحيدُ إفرادُ القدمِ من الحدث"([49]).
7-وقال الجنيد: "التوحيد: علمك وإقرارك بأن الله فرد في أزليته، لا ثاني معه، ولا شيء يفعل فعله"([50]).
8-وسُئل الجنيد عن التوحيد فقال:
"إفراد الموحَّد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته: أنه الواحد، الذي لم يلد، ولم يولد، بنفي الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)"([51]).
وأطول منه في اللمع ([52]).

التعليق:
1- مقصود الجنيد التوحيد الذي يُشير إليه المشايخ وهو التوحيد في القصد والإرادة، وما يَدْخل في ذلك من الإخلاص والتوكل والمحبة، وهو أن يُفْرَدَ الحقّ سبحانه – وهو القديم – بهذا كله، فلا يشركه في ذلك محدث، وتمييز الرب من المربوب في اعتقادك وعبادتك...([53]).
فهم الجنيد الفرق بين ما يأمر الله به، وما ينهى عنه، وهو الفرق بين ما يحبه ويبغضه، ومن لم يسلك في القدر مسلكه، بل سوى بين الجميع، لزمه أن لا يُفرق بين الحسنات والسيئات، فلا يقول: إن الله يحب هؤلاء وهذه الأعمال، ولا يبغض هؤلاء، وهذه الأعمال. بل جميع الحوادث: هو يحبها كما يريدها([54]).
2- من القواعد المهمة في فهم نصوص الأئمة: "أن الكلام المجمل من كلامهم يُحمل على ما يناسب سائر كلامهم، وهؤلاء أكثر ما يُبتلون بالاتحادية والحلولية، الذين يجعلون الرب حالاً في المخلوقات محدوداً بحدودها"([55]).
قال السراج: "والذي غلط في الحلول، غلط لأنه لم يحسن أن يميز بين أوصاف الحق، وبين أوصاف الخلق؛ لأن الله تعالى لا يحُلُّ في القلوب، وإنما يُحِلُّ في القلوب الإيمان به، والتصديق له..."([56]).
9-وقال الجنيد: "سئل بعض العلماء عن التوحيد فقال: هو اليقين. فقال السائل: بيّن لي ما هو؟ فقال: هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعلُ الله وحده لا شريك له، فإذا فعلت ذلك فقد وحَّدته"([57]).
10-وقال الجنيد: "متى يتصلُ من لا شبيهَ له ولا نظير له بمن له شبيهٌ ونظير؟ هيهاتْ، هذا ظنٌ عجيب إلا بما لَطَفَ اللطيف من حيث لا دَرْك ولا وهْم، ولا إحاطة إلا إشارةُ اليقين وتحقيق الإيمان"([58]).
11-وحُكي عن الجنيد أنه قال: "أشرف كلمة في التوحيد قول أبي بكر: سبحانه لم يجعل للخلق طريقاً إلى معرفته إلا العجز عن معرفته"([59]).

(ومن منثور كلامه عن التوحيد)
12- قال الجنيد:
"إن أول ما يحتاج إليه من عقد الحكمة تعريف المصنوع صانعه، والمحدث كيف كان أحدثه، وكيف كان أوله،وكيف أحدث بعد موته، فيعرف صفة الخالق من المخلوق، وصفة القديم من المحدث، فيعرف المربوب ربه، والمصنوع صانعه، والعبد الضعيف سيده، فيعبده ويوحده، ويعظمه ويذل لدعوته، ويعترف بوجوب طاعته، فإن لم يعرف مالكه لم يعترف بالملك لمن استوجبه، ولم يضف الخلق في تدبير إلى وليّه، والتوحيد علمك وإقرارك بالله فردٌ في أوليته وأزليته، لا ثاني معه، ولا شيء يفعل فعله، وأفعاله التي أخلصها لنفسه: أن يعلم أن ليس شيء يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع ولا يسقم ولا يبرى، ولا يرفع ولا يضع، ولا يخلق ولا يرزق، ولا يميت ولا يحيي، ولا يسكن ولا يحرك غيره جل جلاله"([60]).

وقال الجنيد في جوابات الشاميين:

13-"التوكل عمل القلب([61])، والتوحيد قول القلب"([62]).
14-وقال الجنيد في موضع آخر وسئل عن المعرفة فقال:
"... وأعلم خلقه به أشدهم إقراراً بالعجز عن إدراك عظمته، أو تكشف ذاته لمعرفتهم بعجزهم عن إدراك من لا شيء مثله، إذ هو القديم وما سواه محدث، وإذ هو الأزلي وغيره المبدأ، وإذ هو الإله وما سواه مألوه...
وكل عالم فبعلمه عَلِمَ. سبحانه الأول بغير بداية، والباقي إلى غير نهاية، ولا يستحق هذا الوصف غيره، ولا يليق بسواه...
فالشاهد على أدناها – أي المعرفة – الإقرار بتوحيد الله، وخلع الأنداد من دونه، والتصديق به وبكتابه وفرضه فيه ونهيه"([63]).
15-قال أبو محمد الجريري: "سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله. فقال الجنيد: إن هذا قولُ قومٍ تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا..."([64]).
16-ونص آخر يؤكد أهمية العمل عن الجنيد ما ذكره عند قوله تعالى: (ودرسوا ما فيه) [الأعراف / 169]. قال: "تركوا العمل به"([65]).
ويفهم من كلام الجنيد أيضاً أن المزية لا ترفع التكليف، وهذا ما عبر عنه أبو العباس أحمد بن زرّوق إذ قال: "ثبوت المزية لا يقضي برفع الأحكام، ولزومه الأحكام لا يرفع خصوص المزيّة، فمن ثبت عليه أو لزمه حد وقع عليه. مع حفظ حرمته الإيمانية أصلاً، فلا يُمتهن عرضه إلا بحقه على قدر الحق المسوغ له، وإن ثبتت مزيّة دينية لم تُرفع إلا بموجب رفعها"([66]).
وعقد السرَّاج فصلاً في اللمع "باب في ذكر الفرقة التي غلطت في الإباحة والحظر والرد عليهم".
ثم علّق "وإنما غلطوا في ذلك بدقيقة خفيت عليهم، من جهلهم بالأصول وقلة حظهم من علم الشريعة.."([67]).
وهو في ذلك يمثل خير تمثيل قمة الشرع وقمة العقل، وغاية ما ينتهي إليه التصوف الإيجابي([68]).
ويوافق الإمام الجنيد أبو علي الروذباري الصوفي حين سئل عمَّن يسمع الملاهي ويقول هي لي حلال، لأني وصلت إلى درجة لا تؤثر في اختلاف الأحوال فقال: نعم، وصل ولكن إلى سقر"([69]).

سهل التستري:

سهل بن عبدالله بن يونس، التُستري، نسبة إلى تُسْتَر، وبها مولده سنة 200هـ، وقيل غيرها.
صحب خاله محمد بن سوّار، ولقي في الحج ذا النُّون المصري وصحبه.
وكان له صلة بأهل الحديث، وارتبط بهم ارتباطاً وثيقاً، إذ كانوا موضع إعجابه([70]).
قال أبو نعيم: "الشيخ المسكين، الناصح الأمين، الناطق بالفضل الرصين...".
وقال الهجويري: "وكان من محتشمي أهل التصوف وكبارهم".
وقال السلمي: "أحد أئمة القوم وعلمائهم..".
وقال الذهبي: "شيخ العارفين..، الصوفي الزاهد".
وقال في تاريخ الإسلام: "من أعيان الشيوخ في زمانه، يعد مع الجنيد، وله كلام نافع في التصوف والسنة".
ووصف الهجويري طريقته: " وطريقه الاجتهاد، ومجاهدة النفس والرياضة".
وقال: "إنه جمع بين الشريعة والحقيقة".
وذكر السمعاني بأنه صاحب كرامات وآيات.
وقد ابتلي سهل بإخراجه من تُستر إلى البصرة، فبقي فيها حتى مات، وسبب ذلك كما قال السّراج أنه قال: "التوبة فريضة على العبد مع كل نفس"([71])، فسعى من سعى وهيج العامة وكفّره ونسبه إلى القبائح عند العامة حتى وثبوا عليه، وكان ذلك سبب خروجه عن تُستر وانتقاله إلى البصرة رحمه الله([72]).

مؤلفاته:
لم يؤلف سهل أي مؤلف، ولم يذكر من ترجم له أي كتاب، إلا ما نجده عن ابن النديم حيث سمى له كتاب: دقائق المحبين، مواعظ العارفين، جوابات أهل اليقين([73]).وإنما الذي جُمع عنه أونُسب له: إجابات عن أسئلة أو تفسير لبعض الآيات من الكتاب العزيز.
قال أحمد بن سالم: "كتب إلى سهل بن عبدالله بخمسة آلاف مسألة، يعني في علم التوحيد والمعرفة واليقين والرضا والتوكل، قال: أنا أحفظها، وأحفظ الجواب عنها"([74]).

ومما طبع له:
1- تفسير القرآن العظيم([75])، لم يتعرض فيه لتفسير القرآن آية آية، بل تكلم عن آياتٍ معينة، وفيه إجابات أسئلة وُجهت إلى سهل، وهو من أوائل تفسير الصوفية، وفيه أقوال لابن سالم([76])، وفيه غلو بالنبي صلى الله عليه وسلم([77])، واعتذار عن إبليس في تركه السجود([78]).
2- المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى في الأحوال([79]).
هي إجابات لأسئلة وجهت إليه من تلميذه أبي الحسن أحمد بن سالم وغيره، وهو الذي رواها، وموضوعاتها في التوحيد والمعرفة واليقين... .
ولعل الراوي أبا القاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله الزاهد هو من سماه بهذا الاسم، مع أن المحقق لم يذكر أنه وجد هذا العنوان على المخطوط، وليس في الكتاب ردٌ على الفرق سوى مسائل قليلة جداً([80]).
ورواية أحمد بن سالم شيخ السالمية م سنة([81]).وتلميذ سهل الملازم له تؤيد ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن ابن سالم (الأب) هو الذي جمع الكتب([82]).
3- كلام سهل([83])، في خمسة أجزاء، وهو كلام مجموع لا ترابط بينه، بعضه إجابته على سؤال، أو شرح لآية، أو موعظة، وفيه مسائل في التصوف، وليس له إسناد إلى سهل، ويرجح فؤاد سزكين أنه جمع في القرن السابع الهجري([84]).
ويظهر أن الكتاب جُمع في فترات زمنية، قد يكون أول الكتاب جمعه تلاميذ سهل، ثم زاد من زاد على الكتاب، وورد فيه بعض ما هو معروف عن سهل([85]).
4- الشرح والبيان لما أشكل من كلام سهل. تأليف عبدالرحمن الصقلي م سنة 380هـ([86])، يذكر فيه قول سهل دون إسناد، ثم يشرع في شرحه، وفيه بعض الأقوال لا يصح إثباتها لسهل بمجرد نسبته([87]).

ومما نُسب إليه:
- سلسبيل سهلية، نسبها إليه السنوسي م سنة 1276هـ، وهي صيغ أذكار يزعم أنها مأثورة عن سهل([88]).
- رسالة الحروف:
هذه الرسالة اهتم بها الفلاسفة ومن شاكلهم اهتماماً كبيراً، وقد نُقلت من طريق ابن مسرّة م سنة 319([89])، وابن عربي لينسبوا باطلهم إليها، ويحتجوا على صحة مذهبهم
ونشرها الدكتور محمد كمال جعفر، وصحح نسبتها إلى سهل([90]).
ويعالج ابن مسرة الحروف ويفسرها على نمط باطني، ذَكَرَ في أولها قولاً لسهل فقط لا غير([91]).، وأما رسالة سهل فلم يذكرها أحدٌ من المؤرخين منسوبة لسهل([92]).
ومن المعلوم أن لسهل كلاماً حول الحروف المقطعة في أوائل السور، وهي محاولة لتفسير كيفية الخلق([93]).
أما من نقل الرسالة كابن مسرة وابن عربي ومن تابعهم فلا يقبل من وجوه:
أ‌- لم تذكر الرسالة في مؤلفات سهل، وليست من طريق تلاميذه، ولا سند لها([94]).
ب‌- تضمنت الرسالة أقوالاً لا يجوز أن تنسب إلى سهل([95]).
- وذُكر له كتب أخرى نسبها له من المتأخرين: سزكين وبروكلمان ود. محمد كمال([96]).

الثناء عليه:
تقدم كلام بعض أهل العلم، وما يضاف أيضاً فيما يتعلق بجانب العقيدة:
فقد أثنى ابن تيمية على عقيدته حيث قال: "وكلام سهل بن عبدالله في السنة وأصول الاعتقادات أسدّ وأصوب من كلام غيره"([97]).
ويقول في موضع آخر: "وكلام سهل بن عبدالله وأصحابه في السنة والصفات والقرآن أشهر من أن يُذكر هنا..."([98]).
ويمدحه الإمام ابن القيم بسيد وشيخ الطائفة([99]).
وقد ذكر الهجويري ترجمة للفرقة السهلية وما تميزت به([100]).

وفاته:
توفي سهل رحمه الله في البصرة في المحرم سنة ثلاث وثمانين ومئتين (283هـ).

أهم مصادر ترجمته:
طبقات الصوفية ص206، الفهرست ص237 ط. دار المسيرة، حلية الأولياء 10/189، الأنساب 3/52 ط. الهند، السير 13/330، تاريخ الإسلام وفيات سنة 283 ص186.
(طريق السالكين)
1-قال سهل: "كلُّ فعل يفعله العبد بغير اقتداءٍ، طاعة كان أو معصية فهو عيش النفس([101])، وكل فعل يفعله بالاقتداء فهو عذاب على النفس([102])"([103]).
2-وفي التفسير المنسوب له قال في تفسير قوله تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) قال سهل: الحكمة إجماع العلوم وأصلها السنة([104]).
لقد أقام المذهب على طريقة الاقتداء، وأعلن أن أصول الزهد الحقيقي تقوم على سبعة أسس كما سيأتي برقم (9 )، وهذا الطريق فيه سلامة من اتباع الهوى([105]).
وقد عقد الشاطبي فصلاً ذكر فيه النقل في ذم البدع وأهلها عن الصوفية وقال: "خصصنا هذا الموضع بالذكر؛ لأن كثيراً من الجهال يعتقدون فيهم – أي الصوفية – أنهم متساهلون في الاتباع واختراع العبادات..."([106]).
3-وقال سهل: "ليس لأهل المعرفة همة غير هذه الثلاثة إذا صلحوا: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى، والاقتداء هو الافتقار، والصبر على ذلك إلى الممات"([107]).
4-وسُئل عن المعرفة فقال: "لا ينالها أحد إلا بعد المكابدة، فيتلذذ بمخالفة هواه أكثر مما يتلذذ بمتابعة هواه فعند ذلك يعرف"([108]).
5-وقال: "وسمعت سهلاً يقول: لا يطلق روح العبد في معرفة الله حتى تستقيم نفسه في طاعة الله"([109]).
6-وقال سهل: "لا معين إلا الله، ولا دليل إلا رسول الله، ولا زاد إلا التقوى، ولا عمل إلا الصبر عليه"([110]).
7-وقال سهل: "فكل وَجْد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل"([111]).

التعليق:
اختلفت العبارات في تعريف الوجد كما حكاه السراج في اللمع ص375:
ومما قيل في تعريفه: "الوجد رفع الحجاب، ومشاهدة الرقيب، وحضور الفهم..".
وقيل: "الوجد أول درجات الخصوص، وهو ميراث التصديق بالغيب..".
وقيل: "الوجد هو ما صادف القلب، من فزع، أو غم، أو رؤية معنى من أحوال الآخرة، أو كشف حالةٍ بين العبد والله عز جل"([112]).
وبعضهم قسم الوجد إلى ثلاث درجات: وهي التواجد، ثم الوجد، ثم الوجود، وله وسائل وطرق استدعاء مثل السماع([113]).
والحقيقة: أن الوجد محكومٌ عليه، وليس حاكماً، فلا اعتداد بالوجد إن خالف الكتاب والسنة – كما قال سهل –، وما ضلَّ من ضل إلا بتحكيمه المواجيد، وجعلها محكّاً للحق والباطل. كما يفعل أهل السلوك المبتدع.

والسماع على أقسام:

‌أ- حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال الصحابة رضي الله عنهم، وهو الوجد الحاصل لهم من سماع القرآن: إما وجل القلوب([114])، وإما اقشعرار الجلود([115])، وإما البكاء ودموع العين([116]).
‌ب- الظالم لنفسه وهو القاسي القلب لا يلين لسماع القرآن والذكر، فهؤلاء فيهم شبه من اليهود، قال تعالى: (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)([117]).
‌ج- حال المؤمن التقي، الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا الذي يصعق: صعق موت، أو صعق غشي، وذلك يكون لقوة الوارد، وضعف القلب عن حمله، مثل هذا يحدث في غير سماع القرآن من الأمور الدنيوية.
فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الفناء حتى لا يشعر بنفسه، إذا كانت أسبابها مشروعة، وصاحبها صادقاً عاجزاً عن دفعها، كان محموداً على فعله من الخير، معذوراً فيما عجز عنه.
والأُولى أكمل الأحوال، وهي من لم يزل عقله معه([118]).
فإذا تبين ما هو الوجد الشرعي، فكل وجد يخالفه: نقصٌ، هذا إذا كان سببه السماع الشرعي، فكيف إذا انضم إلى الصعق والاضطراب كونه بأسباب محرمة كسماع الآلات المحرمة، والأشعار الفاجرة التي تتضمن الكذب على الله، والتكذيب بالحق، مع ما في السماع من إثارة الأحوال من فوت حظه من محبوبه وغيرها مما يثيرها السماع بالألحان المطربة والنغمات اللذيذة([119]).

وقد أوصى أئمة الطريقة بالاستقامة:

قال أبو سليمان الداراني (م سنة 215): "ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة"([120]).
وقال أحمد بن أبي الحواري (م سنة 230): "من عمل عملاً بلا اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل عمله"([121]).
وقال أبو حفص النيسابوري (م سنة 270): "من لم يزن أفعاله كلَّ وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره، فلا نعده في ديوان الرجال"([122]).

(اعتقاد التستري المجمل)
8-ساقه الإمام اللالكائي في أصول الاعتقاد([123]): "قال سمعت سهل بن عبدالله يقول، وقيل له متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا عرف من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعة، ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج على هذه الأمة بالسيف، ولا يكذب بالقدر، ولا يشك في الإيمان، ولا يماري في الدين، ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب، ولا يترك المسح على الخفين، ولا يترك (الجماعة)([124]) خلف كل والٍ جار أو عدل".
9-وفي الحلية: "أصولنا ستة أشياء: التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق".
10-وقال: "من كان اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء، ولا يجول قلبه سوى ما أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"([125]).
11-وسئل: كيف يتخلص العبد من خدعة نفسه وعدوه؟ قال: "يعرف حاله فيما بينه وبين الله وبعد عرفان حاله فيما بينه وبين الله يعرض نفسه على الكتاب والأثر، ويقتدي في الأشياء بالسنة، وقال: على هذا الخلق من الله أن يلزموا أنفسهم سبعة أشياء، فأولها الأمر والنهي وهو الفرض ثم السنة ثم الأدب..."([126]).

(عقيدة سهل المفصّلة)
12-قال سهل([127]): "الإيمان: قول وعمل ونية [وما وافق السنة]([128]) يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، يقوى بالعلم، ويضعف بالجهل، ذلك بعلمه، وهذا بجهله، القول: قول اللسان لا إله إلا الله محمد رسول الله، والإيمان: إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والنشور، والعمل بالجوارح: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقامة الأحكام والنية والإخلاص لله في العمل، لقوله: "الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى"، والقوة بالعلم والنقصان بالجهل.
أصل ما يلزمنا الإيمان به في الدنيا: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والإيمان بقضائه خيره وشره، وحلوه ومره، حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم.
والقرآن كلام، فإن زدت فقل: غير مخلوق، والصلاة خلف كل بر وفاجر، (يعني الأئمة والسلطان) ولا تُكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب, ولا تشهد لأحدٍ منهم بجنة أو نار.
وسبعة من أمور الآخرة من جحدها فهو مبتدع، فإن بينت له بالقرآن والآثار فرد وأنكر يستتاب، فإن أبى فهو كافر ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يعاد إذا مرض ولا يزوج، وأول ذلك: عذاب القبر ونعيمه، والحشر والجمع يوم القيامة، والميزان والحساب، والحوض والشفاعة والصراط، ودخول النار والخروج منها، ودخول الجنة والزيادة، وهو: النظر إلى الله عز وجل، من طعن في هذا أو أحد منها فهو مبتدع([129]).
13وقال: معرفةٌ وإقرار وإيمان وعمل وخوف ورجاء وحب وشوق وجنة ونار.
فالمعرفة: خوفٌ.
والإقرار: رجاء.
والإيمان: خوف.
والعمل: رجاء.
والخوف: رهبة.
والحب: رجاء.
والشوق: خوف بعد.. ([130]).
14-وذُكر عن سهل رحمه الله أنه كان يقول: "أهل لا إله إلا الله كثير، والمخلصون منهم قليل"([131]).
15-وقال: "ليس في خزائن الله أكبر من التوحيد"([132]).
16-وقال: "الإيمان بالفرائض وعلمها فرض، والعمل بها فرض، والإخلاص فيها فرض، والإيمان بالسنة فرض بأنها سنة وعلمها سنة، والعمل بها سنة، والإخلاص فيها فرض، والإخلاص بالإيمان العمل به"([133]).

(التوحيد)
17-وعن سهل أنه قال: ذات الله موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، موجودة بحقائق الإيمان، من غير حدٍ ولا إحاطة ولا حلول، وتراه في العقبى ظاهراً وباطناً في ملكه وقدرته، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته، والقلوب تعرفه، والعقول لا تدركه، ينظر المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية"([134]).
ثم علق الهجويري بقول: "وهذا قولٌ جامع لكل أحكام التوحيد".
18-وقال سهل: "اعلموا إخواني أن العباد عبدوا الله على ثلاثة أوجه: على الخوف، والرجاء، والقرب..."([135]).

نصوص مؤيدة:
19-وقال سهل: "لا يصح الإخلاص إلا بترك سبعة: الزندقة، والشرك، والكفر، والنفاق، والرياء، والوعيد"([136]).
20-وقال: "الدنيا كلها جهل إلا ما كان منه العلم، والعلم كله حجه إلا ما كان العمل به، والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص فيه، وأهل الإخلاص على خطر عظيم"([137]).

(التوكل)
21-وقال سهل: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
22-قال: "لا يصح التوكل إلا لمتقٍ، ولا تتم التقوى إلا لمتوكل، لقوله تعالى: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)([138]).
23-وقال أيضاً: "من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان، ومن طعن في التكسب فقد طعن في السنة"([139]).
24-وسئل سهل عن التوكل فقال: "الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد"([140]).
25-وسئل أيضاً عن التوكل فقال: "التوكل وجهٌ كله وليس له قفاً، ولا يصح إلا لأهل المقابر"([141]).
26-وفي لفظ: "كل المقامات لها وجه وقفاً غير التوكل، فإنه وجه بلا قفا".
قال الكلاباذي: "يريد توكل العناية لا توكل الكفاية، وهو أن لا يطالبه بالأعواض"([142]).
27-وقال سهل : "من طعن على الاكتساب فقد طعن على السنة، ومن طعن على التوكل فقد طعن على الإيمان"([143]).
28-وقال في التعرف: قال سهل: "لا يصح الكسب لأهل التوكل إلا لاتباع السنة ولا لغيرهم إلا للتعاون "([144]).

التعليق:
قال الكلاباذي: هذا ما تحققناه وصح عندنا من مذاهب القوم، من أقاويلهم في كتبهم ممن ذكرنا أساميهم ابتداءً ، وما سمعناه من الثقات، ممن عرف أصولهم وتحقق مذاهبهم"([145]).وعقد فصلاً سماه" اعتماد القلب على الله"
إن نصوص الإمام سهل واضحة ٌومثله قول الجنيد عن التوكل: "اعتماد القلب على الله تعالى"([146]).
"وحقيقة التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها"([147]).
وهو مقام جليل القدر ، عظيم الأثر ، أمر الله عباده به ، وحثهم عليه، وله أنواع فصَّلها العلماء([148]).
ولا يقتضي التوكل على الله ترك العمل بالأسباب، وعدم السعي في طلب الرزق، وقد ساعد على نشر مثل هذا الفهم الخاطئ بعض المنتسبين للمتصوفة ممن لم يحكموا العلم حق معرفته. فالتجرد من الأسباب جملة ممتنع عقلاً وشرعاً وحساً([149]).
فنصوصهم – أعني أئمة الصوفية – جليَّهٌ في هذه المسألة([150]).
لكن قد يشط بعض العلماء في بعض مسائل التوكل فلا يُتابع في خطئه([151]).

فهرس المصادر والمراجع
1- اجتماع الجيوش الاسلامية لابن القيم تحقيق عواد المعتق ط1408هـ
2- احياء علوم الدين للغزالي ط دار الندوة
3- الاستقامه لابن تيمية تحقيق محمد رشاد طبع جامعة الامام 1403
4- الاعتصام للشاطبي تصحيح محمد رشيد طبع دار المعرفة
5- الأعلام للزركلي طبع دار العلم للملايين 1984
6- الامام الجنيد والتصوف في القرن الثالث تاليف زهير ظاظا طبع دار الخير
7- الانساب لأبي سعد السمعاني طبع دائرة المعارف الهند
8- تاريخ الأدب لبروكلمان الطبعة العربية دار المعارف مصر
9- تاريخ الاسلام للذهبي تحقيق عمر تدمري طبع دار الكتاب العربي
10- تاريخ التراث لفؤاد سزكين طبع جامعة الامام 1403
11- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي طبع دار الكتاب العربي
12- تاريخ التصوف الاسلامي عبد الرحمن بدوي طبع وكالة المطبوعات الكويت
13- تاريخ العلماء والرواة لابن الفرضي نشر عزة العطار طبع مكتبة الخانجي
14- التصوف السني حال الفناء بين الجنيد والغزالي د. مجدي محمد إبراهيم
15- التصوف طريقة وتجربة ومذهبا د. محمد كمال إبراهيم نشر دار المعرفة 1980
16- التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي حققه محمود النواوي نشر المكتبة الأزهرية
17- تلبيس إبليس لابن الجوزي تحقيق أحمد المزيد طبع دار الوطن
18- تفسير سهل( القران العظيم) طبع دار الكتب العربية, وطبعة أخرى نشر محمود جيزة الله طبع الدار الثقافية للنشر القاهرة
19- جامع العلوم والحكم لابن رجب تحقيق إبراهيم باجس طبع مؤسسة الرسالة
20- جذوة المقتبس للحميدي طبع الدار المصرية للتأليف
21- الحجة في بيان المحجة لقوام السنة تحقيق محمد المدخلي ومحمد أبو رحيم نشر مكتبة الراية
22- حلية الأولياءلأبي نعيم الاصبهاني طبع مكتبة الخانجي
23- الحموية لابن تيمية تحقيق حمد التويجري نشر دار الصميعي
24- درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم طبع جامعة الامام
25- ذم الكلام للهروي تحقيق عبد الله الأنصاري نشر مكتبة الغرباء بالمدينة
26- رسائل الجنيد تحقيق د. جمال رجب طبع دار إفرأ 1425هـ
27- الرسالة لأبي القاسم القشيري تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف مطبعة حسان
28- الزهد للبيهقي تحقيق عامر حيدر نشر دار الكتب الثقافية
29- السالميه لعبد الله السهلي رسالة دكتوراه جامعة الامام
30- شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين لابن تيميه جمع حامد الفقي طبع دار القلم
31- الشرح والبيان لماأشكل من كلام سهل للصقلي تحقيق محمد كمال جعفر نشر مكتبة الشباب
32- شطحات الصوفية عبد الرحمن بدوي طبع وكالة المطبوعات الكويت
33- شيخ العارفين الامام التستري = تفسير سهل
34- طبقات الأولياء لابن الملقن تحقيق نور الدين شريبه طبع مكتبة الخانجي
35- طبقات الأولياء للشعراني طبع دار الجيل
36- طبقات الحنابلة لابي الحسين محمد بن أبي يعلى تحقيق حامد الفقي
37- طبقات الصوفية للسلمي تحقيق نور الدين شريبه طبع مكتبة الخانجي
38- طريق الهجرتين رسالة ماجستير جامعة الامام
39- عوارف المعارف للسهروردي نشر مكتبة القاهرة1393
40- العلو للعلي العظيم للذهبي تحقيق عبد الله البراك طبع دار الوطن
41- فتاوى ابن تيميه جمع محمد ابن قاسم توزيع دار الافتاء بالسعودية
42- الفلسفة الصوفية في الاسلام د. عبد القادر محمود طبع دار الفكر العربي
43- الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي تحقيق إسماعيل الأنصاري
44- الفهرست لابن النديم طبع دار المسيرة إيران
45- فيصل التفرقة للغزالي طبع دار الحكمة
46- قوت القلوب لأبي طالب المكي طبع دار صادر مصورة عن الطبعة الميمنية
47- كشف المحجوب للهجويري دراسة إسعاد عبد الهادي طبع دار النهضة العربية
48- كلام سهل تحقيق محمد كمال جعفر مع الشرح والبيان طبع مكتبة الشباب
49- اللمع لأبي نصر السراج تحقيق عبد الحليم محمود نشر مكتبة الثقافة الدينية
50- مدارج السالكين لابن القيم تحقيق حامد الفقي طبع دار الكتب العلمية
51- مسألة السماع لابن القيم تحقيق راشد الحمد طبع دار العاصمة
52- المصادر العامة للتلقي عند الصوفية تأليف صادق سليم طبع مكتبة الرشد
53- المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى تحقيق محمد كمال جعفر ط دار الانسان 1400
54- مناقب الشافعي للبيهقي تحقيق ا錉مد صقر طبع دار التراث
55- من التراث الصوفي لسهل التستري دراسة وتحقيق محمد كمال جعفر طبع دار المعارف 1974
56- من قضايا التصوف في ضوء الكتاب والسنة د. محمد السد الجليند طبع دار اللواء 1410
57- من قضايا الفكر الاسلامي د محمد كمال جعفر طبع دار العلوم 1398

ملحوظة:
قُدم البحث للمؤتمر الدولي العاشر للفلسفة الاسلامية( التصوف بين الواقع والمأمول) ونشر في أبحاثه (145-176) سنة 2005م

الموضوعات
مقدمة ........................................................... 1
الصعوبات التي تواجه الباحث في دراسة التصوف ...................... 2
قواعد مهمة ......................................................... 3
منهج الجمع ........................................................ 4
ترجمة الجنيد ....................................................... 5-8
المرويات ........................................................... 9-16
ترجمة سهل التستري ................................................ 17-21
المرويات .......................................................... 22-29

([1]) مثل كتابات المستشرقين عن التصوف. راجع من قضايا التصوف للجلنيد ص46.
([2]) اللمع ص19 و ص529، والسهروردي في عوارف المعارف ص76 الباب التاسع، والشاطبي في الاعتصام 1/90.
([3]) راجع الحلية 1/3-4.
([4]) مقدمة التعرف ص11-12.
([5]) اللمع ص459.
([6]) مع المسلمين الأوائل، مصطفى حلمي ص118.
([7]) قال:" فأول ما يلزم العبد: الاجتهاد في طلب هذا العلم وإحكامه على قدر ما أمكنه ووسعه طبعه وقوي عليه فهمه بعد إحكام علم التوحيد والمعرفة على طريق الكتاب والسنة، وإجماع السلف الصالح عليه... . ص102.
([8]) قال: باب ما ذكره عن المشايخ في اتباعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيصهم في ذلك ص144، ومقدمة كتابه ص21.
([9]) ذكر هذا عنه: أبو نعيم في الحلية 10/291-292، والسلمي في الطبقات ص202، والذهبي في العلو،2/1225 والشعراني في الطبقات 1/98.
([10]) ذكر هذا عن ابن تيمية في الحموية ونقل عنه طويلاً ص405، وابن القيم في اجتماع الجيوش ص277.
([11]) أورد وصيته ابن تيمية في درء التعارض 6/256، والحموية ص377، والذهبي في العلو.2/1308
([12]) أورد عقيدته ابن تيمية في الفتاوى 5/190، الدرء 6/252، والعلو.2/1305
([13]) الرسالة 1/23-24.
([14]) الفتاوى 3/377. وراجع ج11/10.
([15]) من صور التميز في المروي عن الجنيد أن ابن تيمية لما ذكر كلمة رويت عن الجنيد "انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة"... قال: "فهذا لا أعرفه من كلام الجنيد، وفيه نظر هل قاله؟ ولعل الأشبه أنه ليس من كلامه المعهود" الفتاوى 11/391.
([16]) الاستقامة 1/113.
([17]) اللمع ص313-314.
([18]) الحلية 10/257، 260، 265.
([19]) راجع تاريخ التصوف الإسلامي، عبدالرحمن بدوي ص83.
([20]) اللمع ص500.
([21]) اسمه أحمد بن محمد بن غالب الباهلي البصري، كان رجلاً صالحاً إلا أنه يروي الكذب الفاحش، ويرى وضع الحديث، مات سنة275هـ.
انظر تاريخ بغداد 5/78، السير 13/282.
وخبر الفتنة في الحلية 10/249.و السير 13/284، ، 14/74,71، ، الكامل /
([22]) ص:44
([23]) 10/281.
([24]) ص155.
([25]) الصفدية 1/266.
([26]) 2/260.
([27]) تاريخ الإسلام ص118، وفيات سنة 298.
([28]) ص237.
([29]) الإمام الجنيد ص28.
([30]) ص459. ويراجع شطحات الصوفية، و مقدمة العقل وفهم القرآن ص111.
([31]) بَسَطَ التعريف بها زهير ظاظا في كتابه "الإمام الجنيد" ص132، وجعل لها عنواناً آخر "كتب منسوبة إلى الجنيد."
([32]) جمعها كاملة د. جمال رجب سيد في كتاب واحد سماه "رسائل الجنيد" طبع أخيراً سنة 1425هـ. وقد طبع بعضها من قبل علي حسن عبدالقادر (حوالي أحد عشر مخطوطاً) لكن جميع المخطوطات التي اعتمد عليها كُتبت بعد سنة الألف هجرية!!.
([33]) التصوف السني حال الفناء بين الجنيد والغزالي ص308 هامش (1).
([34]) هذه العناوين من تأليفي للتوضيح.
([35]) اقتفى: من القفو، مصدر قولك: قفا يقفُو قفواً وقفوّاً، وهو أن يُتبع الشيء.
اللسان "قفا" والقاموس "قفا".
([36]) أثر: هو بقية الشيء أو هو ما يؤثره الرجل بقدمه في الأرض.
اللسان "أثر".
([37]) ، الحلية 10/257، وعنه ابن الجوزي في التلبيس 1/78 ح28، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/150، ورواه السلمي في الطبقات ص159.و الرسالة 1/117
([38]) الرسالة 1/118.
ولفظ آخر في اللمع ص144، وتاريخ بغداد 7/243: "علمنا هذا مشتبك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".
([39]) في "التلبيس": بالكتاب.
([40]) الحلية 10/255، وعنه تاريخ بغداد 7/243، وعنه في التلبيس 3/989 ح194، والسبكي في الطبقات 2/273، والذهبي في السير 14/67.
([41]) الزهد للبيهقي ح972 ص355.
([42])ص144 وراجع الرسالة للقشيري 1/186.
([43]) المصادر العامة للتلقي عند الصوفية ص183، وكرره في الخاتمة ص707.
([44]) والهروي في ذم الكلام 4/374 ح1241، والمنتخب من كتابه للمقريء ص95، والسير 14/68.
([45]) أخرجه الهروي في ذم الكلام 4/115، وأبو القاسم الأصبهاني في الحجة 1/103.
([46]) أخرجه الهروي في ذم الكلام 4/115، والبيهقي في مناقب الشافعي 1/460.
([47]) حكاه الغزالي في فيصل التفرقة ص140.
([48]) درء التعارض 7/156.
([49]) الرسالة 1/28-29، وكشف المحجوب ص521.
، وفي اللمع رد على الحلولية ص541، وعين الجمع ص549.
قال ابن القيم: الإفراد الذي أشار إليه الجنيد نوعان:
أحدهما: إفراد في الاعتقاد والخبر وذلك نوعان أيضاً:
أحدهما: إثبات مباينة الرب تعالى للمخلوقات، وعلوه فوق عرشه... كما نطقت به الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها.
والثاني: إفراده سبحانه بصفات كماله... كما أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسله.
والنوع الثاني من الإفراد: إفراد القديم عن المحدث بالعبادة – من التأله، والحب، والخوف، والرجاء، والتعظيم، والإبانة، والتوكل، والاستعانة... .
إلى أن قال: "ولذلك كانت عبارة الجنيد عن التوحيد عبارة سادة مسددة" المدارج 3/445-446.
قال الهجويري معلقا: "أي أنك لا ترى القديم محل الحوادث، والحوادث محل القديم، وتعلم أنه الحق تعالى قديم، وأنك بالضرورة محدث، ولا يتصل به شيء من جنسك، ولا يمتزج بك أي شيء من صفاته..." ص522.
([50]) الرسالة 1/35.
وقال ابن تيمية: "هذا المذكور عن الجنيد... حسن وصواب" الاستقامة 1/148.
([51]) الرسالة 1/31 وفي 2/583 وأطول منه في اللمع ص49
وقال ابن تيمية: ولم يسنده – يعني القشيري –. الاستقامة 1/145.
([52]) فسّر أبو نصر السراج جواب الإمام الجنيد في التوحيد؛ بأنه أشار إلى توحيد العامة وتوحيد الخاصة... . اللمع ص49.
وهذا يحتاج إلى دليل من كلام الجنيد رحمه الله، فأقواله مبثوثة ليس فيها هذا التقسيم، فاعتقاد الجنيد ومشايخ الطريقة في مسائل أصول الدين – إن ثبت النقل عنهم – يُقبل منه ما دلّ عليه الكتاب والسنة، وما وافقوا فيه أئمة المشايخ.
([53]) الاستقامة 1/92.
([54]) شذرات البلاتين ص286.
([55]) الاستقامة 1/113.
([56]) اللمع ص542 في باب ذكر غلط الحلولية.
([57]) الرسالة 1/40.
"المراد هنا توحيد الربوبية، وأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وفيه الرد على القدرية الذين يجعلون أفعال العباد خارجة عن قدرته وخلقه وملكه, ومقصود أهل التحقيق كالجنيد وغيره، أن يكون هذا التوحيد للعبد خلقا ومقاماً، بحيث يعطيه ذلك كمال توكله على الله تعالى، وتفويضه إليه، والصبر لحكمه، والرضا بقضائه، ما لم يُخرجه ذلك إلى إسقاط الأمر والنهي، والثواب والعقاب" الاستقامة 1/179.
([58]) الرسالة 1/43.
وقال ابن تيمية معلقاً: "هذا الكلام يقتضي أن العباد إنما عرفوا ربهم بما لطف به من تعرُّفه إليهم،وهدايته إياهم بما أعطاهم، لا معرفة إدراك وإحاطة. وهذا حسن، وربما يتضمن نوعاً من الرد على طريقة أهل النظر الذين يجعلونه بمجرده محصِّلاً للمعرفة المطلوبة" الاستقامة 1/184.
([59]) اللمع ص172، وكشف المحجوب ص525.
وقال الهجويري معلقاً: "وقد أخطأ العلماء في هذه الكلمة فيخالون أن العجز عن المعرفة هو عدم المعرفة، وهذا محال؛ لأن العجز يكون في المحال الموجود ولا يكون في الحال المعدوم، كالميت فهو لا يكون عاجزاً في الحياة ويكون عاجزاً في الموت... وكذلك العارف فهو لا يكون عاجزاً والمعرفة موجودة، ويكون هذا كضرورة. وعلى هذا نحمل قول الصديق رضي الله عنه" كشف المحجوب ص525.
([60]) الحلية 10/256. وهذا من الأسئلة الشامية.
([61]) عمل القلب: هو النية والإخلاص والمحبة ولوازم ذلك وتوابعه، كما قال تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)، (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى).
([62]) الرسالة 1/47.
ذكر الجنيد هنا أن التوحيد قول القلب، فأضاف القول إلى القلب، وهذا مما لا نزاع فيه: أن القول والحديث ونحوهما مع التقييد يُضاف إلى النفس والقلب. الاستقامة 1/210.
وقول القلب هو: تصديقه وإيقانه، كما قال تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدَّق به أولئك هم المتقون) الزمر 33-34.
وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الشفاعة: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن شعيرة" خ13/473، ومسلم 1/177.
([63]) الحلية 10/258.
هذه العبارات المؤكدة على أحد أركان المتصوفة المتحققة، وهي ما عبر عنها أبو نعيم في مقدمة كتابه "حلية الأولياء" قال: "ويشتمل كلام المتصوفة على ثلاثة أنواع: فأولها إشاراتهم إلى التوحيد، والثاني كلامهم في المراد ومراتبه، والثالث في المريد وأحواله. ثم لكل نوع من الثلاثة مسائل وفروع يكثر تعدادها..." 1/23.
هذا ما ظهر في تفصيل الإمام الجنيد في تفصيل ما يجب على العبد تجاه خالقه ومالكه، وتأكيده على أن المعرفة الحقة هي توحيده وخلعه الأنداد من دونه... .
([64]) الحلية 10/278، والسلمي في الطبقات ص159.
وذُكرت منسوبة إلى كتاب "السر في أنفاس الصوفية" مخطوط نقلا عن كتاب" التصوف السني ص318 هامش (4).
([65]) طبقات الحنابلة 1/128.
([66]) قواعد التصوف. قاعدة 83/50.
([67]) اللمع ص538.
([68]) راجع الفلسفة الصوفية د. عبدالقادر محمود ص190.
([69]) الرسالة ص26.
([70]) روى الهروي قيل سهل: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: "حتى يموت ويصب باقي حبره على قبره" ذم الكلام 4/383 ح1255.
وروي عنه قوله: "احتفظوا بالسواد على البياض [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم]فما أحد ترك الظاهر إلا خرج إلى الزندقة" ذم الكلام 4/378 ح1246.
وروي عنه قوله: "مثل السنّة في الدنيا كمثل الجنة في الآخرة، من دخل الجنة في الآخرة سلم، ومن دخل السنة في الدنيا سلم" ذم الكلام 4/384 ح1257.
قال الذهبي في تاريخ الإسلام معلقاً: "هكذا كان مشايخ الصوفية في حرصهم على الحديث والسنة، لا كمشايخ عصرنا الجَهَلة البَطَلة الأَكَلة الكَسَلة" ص187.
([71]) وفد فسّر التوبة في مواضع أخرى بأنها التوبة من الغفلة في كل طرفة ونفس.. . انظر قوت القلوب 1/318.
([72]) اللمع ص499.
([73]) ص237.
([74]) المعارضة والرد ص73.
([75]) نسبه له سزكين في تاريخ التراث 4/129-130، والزركلي في الأعلام 3/143، وغيرهم من المتأخرين، وعلى خلاف هؤلاء نجد المستشرق ماسنيون يقول: "هو تفسير مفتعل" دائرة المعارف 12/315.
فإن كان مراده أنه جُمع بعد وفاة سهل فهذا صحيح، وإن أراد أنه مكذوب ففيه ما هو مكذوب وفيه ما نُسب إلى سهل. ولعل الراوي للكتاب أبابكر محمد بن أحمد البلدي السجزي هو الذي رتب الكتاب لوجود إضافات فيه. انظر ص2، 6، 7، 9.
([76]) ص 38، 65، 69... .
([77]) ص9، 10، 40-41.
([78]) ص24.
([79]) نسبه له فؤاد سزكين وبروكلمان للصقلي، طُبع بتحقيق د. محمد كمال جعفر في طبعته الأولى سنة 1400هـ، ونسبه لسهل. انظر مقدمته ص58-62.
([80]) انظر المقدمة ص52، والكتاب ص81.
([81]) السير 16/272.
([82]) مقدمة المعارضة ص47.
([83]) طُبع بتحقيق د. محمد كمال جعفر مع الشرح والبيان في كتاب واحد بعنوان: "الجزء الثاني من تراث التستري الصوفي" من ص65-315.
([84]) 4/130.
([85]) مثل الاعتقاد، والأمر بالسنة، ويوافق "المعارضة" في مواضع.
([86]) طُبع بتحقيق د. محمد كمال جعفر، مكتبة الشباب.
([87]) من ص323.
([88]) دائرة المعارف 12/314، وراجع من التراث الصوفي ص82 ج1.
([89]) وقد ذكروا في ترجمته أنه استتيب وروي عنه شناعات.
انظر: جذوة المقتبس ص63، وتاريخ العلماء والرواة 2/39، وكتاب من قضايا الفكر ص185. وقد رد عليه بعض العلماء. انظر من قضايا الفكر ص184.
([90]) طبعها د. محمد كمال في كتابه "من التراث الصوفي لسهل" ص366-375، ومن قضايا الفكر ص311، وفي كتاب "من قضايا الفكر" ص198 هامش (2) قال: تنسب – أي لسهل – رسالة في الحروف!.
([91]) من التراث الصوفي ص317.
([92]) من التراث الصوفي ص364.
([93]) من التراث ص361-363.
([94]) راجع رد ابن تيمية على قول روي عن سهل كونه بلا إسناد عن سهل. الاستقامة 1/208.
([95]) مثل قوله: "الحروف هي القوى الروحانية المفردة، وهي أصل الأشياء" خواص الحروف من قضايا الفكر ص319.
ثم قال بعدها: "وجميع الصفات التي وصف بها الخالق – تعالى – نفسه إنما وُجدت بهذه القوة، وبها تعلقت وبها أحاط" المكونات" من التراث ص368.
وفيه: "كلام الله تعالى أعيان قائمة وأنوار روحانية لايحة وهي إرادته" من التراث الصوفي ص367
([96]) تاريخ التراث 4/130، وتاريخ الأدب لبروكلمان ق2/ص401، ود. محمد كمال في التراث الصوفي لسهل.
([97]) الاستقامة 1/158.
([98]) الاستقامة 1/208.
([99]) المدارج 3/139.
([100]) ص426.
([101]) يعني باتباع الهوى.
([102]) يعني لأنه لا هوى له فيه، واتباع الهوى هو المذموم، ومقصود القوم تركه البتة.
([103]) الرسالة 1/94-95.
([104]) تفسير سهل ص33.
([105]) راجع: الزهاد الأوائل ص144.
([106]) الاعتصام 1/89.
([107]) الحلية 10/210.
([108]) الزهد للبيهقي ح322
([109]) الزهد للبيهقي ح323.
([110]) الحلية 10/198، والزهد للبيهقي ح898 ص335، والطبقات للسلمي ص211.
([111]) ، اللمع ص146، 376 و الاستقامة 2/141.
([112]) التعرف ص132.
([113]) الرسالة للقشيري 1/215، عوارف المعارف ص171
([114]) سورة الأنفال/2.
([115]) سورة الزمر/23.
([116]) سورة المائدة/83.
([117]) سورة الحديد/16.
([118]) راجع الفتاوى لابن تيمية 11/8-13.
([119]) مسألة السماع لابن القيم ص154-155، والاستقامة 1/225.
([120]) الرسالة 1/96، وتلبيس إبليس 3/980 ح189، والسلمي في الطبقات ص77-78، والبداية 10/267، والسير 10/183.
([121]) الرسالة /105.
([122]) الرسالة 1/107.
([123]) 1/182-183 رقم 324، وورد أيضاً في كلام سهل ص94.
([124]) وفي هامش الأصل (الجمعة).
([125]) الحلية 10/190، والزهد للبيهقي ح942، والطبقات وقال: سبعة ص210.
([126]) الحلية 10/190.
([127]) كذا في المعارضة والرد، وفي كلام سهل: "قال أبو محمد"، والأصل هو كلام سهل.
([128]) كذا في المعارضة وفي كلام سهل: "وبالسنة".
([129]) كلام سهل 192-193، وراجع المعارضة والرد ص82-83.
([130]) الحلية 10/207.
([131]) اللمع ص117.
([132]) الحلية 10/196.
([133]) الحلية 10/203.
([134]) كشف المحجوب ص525.
([135]) الحلية 10/191.
([136]) الحلية 10/202-203.
([137]) اللمع ص118.
([138]) الحلية 10/192.
([139]) الحلية 10/195، وجامع العلوم 2/498.
([140]) اللمع ص78، والتعرف ص118.
([141]) اللمع ص79.
([142]) التعرف ص119.
([143]) اللمع ص259، وينظر الحلية 10/195.
([144]) ص101.
([145]) التعرف ص101.
([146]) اللمع ص79.
([147]) جامع العلوم والحكم ص497 الحديث التاسع والأربعون.
([148]) طريق الهجرتين -رسالة ماجستير-ص421، والمدارج 2/114.
([149]) المدارج 2/134.
([150]) الرسالة 1/415.
([151]) من ذلك قول الغزالي عن المتوكل: "إن كان مشتغلاً بالله ملازماً لمسجد أو بيت وهو مواظب على العلم والعبادة، فالناس لا يلومونه في ترك التكسب ولا يكلفونه ذلك" الإحياء 4/290.
ثم يقول: "إذن عليك بالقناعة بالنزر القليل والرضا بالقوت، فإنه يأتيك لا محالة وإن فررت منه، وعند ذلك على الله أن يبعث إليك رزقك على يدي من لا تحتسب" الإحياء 4/291.
وقوله: "فالاهتمام بالرزق قبيح بذوي الدِّين..." الإحياء 4/275.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية