فيما قيل في المعاملات / كشف المحجوب للهجويري

قال أبو حفص النيسابوري رضي الله عنه: (التصوف كله آداب، لكل وقت آداب، ولكل حال آداب، ولكل مقام آداب، فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حُرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يظن القبول)

وقريب من هذا المعنى ما قاله أبو الحسن النوري :" ليس التصوف رسوما ولا علوما ولكنه أخلاق ".

أي أنه لو كان رسوما لحصل بالمجاهدة ، ولو كان علوما لأمكن الوصول إليه بالتعلم ، ولكنه أخلاق ، فما لم تطلب حكمه من نفسك ، وما لم تصحح معاملته مع نفسك ، وتنصفه من نفسك ، لا يحصل .

والفرق بين الرسوم والأخلاق هو أن الرسوم فعل يكون بالتكلف والأسباب ، وحين يكون ظاهرها على خلاف باطنها تكون فعلا خاليا من المعنى ، والأخلاق فعل محمود بلا تكلّف وأسباب ،وظاهره موافق لباطنه ، وخالي من الدعوى .

     ويقول المرتعش رحمه الله : "التصوف حسن الخُلق" وهذا على ثلاثة أنواع :

  أولها مع الحق : بأداء أوامره بلا رياء .

  والثاني مع الخلق :بحفظ حرمة الكبار،والشفقة على الصغار،وإنصاف الأقران، والإعراض عن الكل ، وعدم طلب الإنصاف .

  والثالث مع النفس : بعدم متابعة الهوى والشيطان .

     وكل من يقوم نفسه في هذه المعانى الثلاثة يكون من ذوي الخلق الحسن .

وهذا الذي ذكرته متفق مع قول عائشة الصديقة رضي الله عنها ، حين قيل لها : أخبرينا عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : اقرأ من القرآن ، قول الله تعالى : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ".

ويقول المرتعش رحمه الله أيضا :" هذا مذهب كله جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل "

     أي ان مذهب التصوف كله جد فلا تخلطوه بالهزل ، ولا تتعلقوا بمعاملات المترسمين ، وفروا من المقلدين ، ذلك أن العوام لما نظروا إلى أهل هذا الزمان ورأوا مترسمي الصوفية ، وشاهدوا رقصهم وغناءهم وذهابهم غلى أبواب السلاطين ، واختصامهم من أجل اللقمة والخرقة ، أساءوا الإعتقاد في الجميع ، وقالوا أن أصل الطريقة هو هذا ، وقد سار المتقدمون أيضا على هذا ، ولم يعلموا أنه زمان الفترة وعهد البلاء .   

      واعلم ان أهل الطريق يفسدون ، ولكن أصول الطرق لا تفسد .

كتاب كشف المحجوب للهجويري