تعريف المعرفة:
اهتم أهل التصوف بالمعرفة، وربما ظهر هذا الاهتمام عند الصوفية بشكل واضح المعالم. فمن رقى عندهم في طريق التصوف يسمى العارف بالله. وبنوا جُل علاقة العبد بالرب على المعرفة من جهة اصطلاحية سيأتي بيانها.
لهذا كان لابد من الحديث عن المعرفة وحدها. لغة ثم اصطلاحاً .
أما لغة. فقال في لسان العرب:
العرفان العلم قال بن سيده وينفصلان بتحديد لا يليق بهذا المكان وقال في القاموس المحيط.
عرفه يعرفه معرفة وعرفاناً بالكسر وعرفاناً بكسرتين مشددة الفاء علمه. وقال في معجم مقاييس اللغة.
العين والراء والفاء أصلان صحيحان يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلاً بعضه ببعض والآخر على السكون والطمأنينة... والأصل الآخر (المعرفة) والعرفان تقول عرف فلان فلاناً عرفاناً ومعرفة وهذا أمر معروف، وهذا يدل على ما قلناه من سكونه إليه لأن من أنكر شيئاً توحش منه ونبا عنه.
وهذا يعني أنه تم تعريف المعرفة من خلال بيان ضدها. وهو الإنكار وهذه نتيجة تعقب المعرفة وليس المعرفة ذاتها.
تعريف المعرفة اصطلاحاً:
1- قال في التعريفات: المعرفة إدراك الشيء على ما هو عليه وهي مسبوقة بجهل بخلاف العلم ولذلك يسمى الحق تبارك وتعالى بالعالم دون العارف . ولكن الجرجاني عندما عرف الذوق ذكر خلال التعريف معنى اصطلاحياً آخر للمعرفة فقال: الذوق في معرفة الله عبارة عن نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه يفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك عن كتاب أو غيره.
2- وقال في الحدود الأنيقة: المعرفة ترادف العلم وإن تعدت إلى مفعول واحد وهو (أي العلم) إلى اثنين، وقيل: تفارقه بأنه لا يستدعي سبق جهلٍ بخلافها.
3- وقال في التوقيف على مهمات التعاريف: العرفان كالمعرفة إدراك الشيء بتفكر وتدبر فهو أخص من العلم ويقال فلان يعرف الله ولا يقال فلان يعلم الله لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل إليه بتفكر ويضاد المعرفة الإنكار، والعلم الجهل، والعارف المختص بمعرفة الله ومعرفة ملكوته وحسن معاملته تعالى. ولعل هذه التعريفات تقترب بالبحث خطوة صغيرة نحو الأمام. فقد استشف منها أن المعرفة هنا متعلقة بالعلم الإلهي. وقال في موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم: المعرفة تطلق على معان منها العلم بمعنى الإدراك مطلقاً، تصوراً كان أو تصديقاً... قال في مجمع السلوك: المعرفة لغة العلم الذي تقدمه نكرة وفي عبارة الصوفية العلم الذي لا يقبل الشك إذا كان المعلوم ذات الله تعالى وصفاته، ولا تطلق المعرفة على الله تعالى لأنها في الأصل اسم العلم كان بعد أن لم يكن وعلمه تعالى قديم.
فما هي المعرفة عند المتصوفة؟
قال في معجم مصطلحات الصوفية: المعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته ثم صدق الله تعالى في معاملاته ثم تنقى عن أخلاقه الرديئة وآفاته، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه، فإذا تحققت له من ذلك خواطر ودامت مناجاته في السر مع الله وصار محدَّثاً من قبل الحق بتعرف أسراره فيما يجريه من مصاريف أقداره يسمى حينئذٍ عارفاً وتسمى حالته معرفة.
وبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه،... وقيل المعرفة ثلاثة أوجه معرفة إقرار ومعرفة حقيقة ومعرفة مشاهدة وفي معرفة المشاهدة يندرج الفهم والعبارة والكلام.
وبسند صوفي عن أبي عباس الدينوري قال أبو حفص: منذ أن عرفت الله ما دخل قلبي حق ولا باطل.
وعلق صاحب الرسالة القشيرية على إطلاق أبي حفص هذا بقوله: وهذا الذي أطلقه أبو حفص فيه طرف من الإشكال وأجلُُُُ ما يحتمله أن المعرفة عند القوم توجب غيبة العبد عن نفسه لاستيلاء ذكر الحق سبحانه عليه فلا يشهد غير الله ولا يرجع إلى غيره.
وسئل أبو يزيد عن المعرفة فقال: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: هذا معنى ما أشار إليه أبو حفص.
وقال ذو النون المصري: معاشرة العارف كمعاشرة الله تعالى يحتملك ويحلم عنك تخلقاً بأخلاق الله.( )
وسئل الجنيد عن العارف فقال: لون الماء لون إنائه.
ومعرفة الله تغني عن العبادة عند بعض الصوفية. فقد قال عبد الوهاب الشعراني في بحث وجوب معرفة الله تعالى:
قال تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال ابن عباس إلا ليعرفوني. قال الشعراني: فكما تعلقت الرؤية به فكان مرئياً تعلقت به المعرفة فكان معروفاً.ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام طويل في هذه المسألة في كتاب الاستقامة أوَّلَ ليعرفوني بالشهادتين فهي أولُ الطريق تتلوها العبادات. فلا عبادة بدون معرفة.
وقال الخوّاص : إن من شرط العارف بالله دخول الحضرة الإلهية، وإذا دخلها رأى عقائد جميع المسلمين شارعة إليها ومتصلة بها كاتصال الأصابع بالكف فأقر عقائد جميع المسلمين بحق وكشف ومشاهدة ولو من بعض الوجوه ، ويقول الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق: والمعرفة عند الفلاسفة العقليين مصدرها إذن العقل والعقل وحده، بيد أن الإمام الغزالي يرى عن تجربة أن وراء العقل طور آخر تنفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما يكون في المستقبل وأموراً أخرى كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات وكعزل قوة الحس عن إدراكات التمييز وهنالك إذن البصيرة وموضعها الذي ينكشف لها إنما هو الغيب.
وقال ابن عربي: اعلم أن علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر إنما هي من الفيض الإلهي وعقد الغزالي فصلاً في كتاب الإحياء بعنوان بيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في اكتساب المعرفة لا من التعلم ولا من الطريق المعتاد جاء فيه: قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) – من الإشكالات والشبه {ويرزقه من حيث لا يحتسب} يعلمه علماً من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة. ثم استشهد لذلك بكلام أبي يزيد البسطامي "ليس العالم من حفظ العلم من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس.علق الغزالي. وهذا العلم هو العلم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى (وعلمناه من لدنا علما)ً... واللدني هو الذي ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج أ.هـ.
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب: اعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلوم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة. بل قالوا: الطريق إلى تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى... و إذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت... وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية.
والمعرفة التي يصل إلهيا الصوفي (إذن) هي معرفة مباشرة بغير وسائط من مقدمات أو قضايا أو براهين ، إنها معرفة فوق عقلية لا يحوزها إلا من سلك سبيل التصوف وألهم المعرفة المباشرة ومن هنا أيضاً تسمى المعرفة كشفاً...
ياريت تهتموا بتدوين اسم المصدر ورقم الصغحه لزيادة الفاءدة وجزاكم الله خيرا
ردحذف