آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تفسير قوله تعالى : إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ...

تفسير قوله تعالى : إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ...


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }


" ثم " استقاموا: ثم حرف يقتضي التراخي، فهو لا يدل على أنهم في الحال لا يكونون مستقيمين، ولكنه معناه استقاموا في الحال، ثم استقاموا في المآل بأن استداموا إيمانَهم إلى وقت خروجهم من الدنيا، وهو آخرُ أحوالِ كونِهم مُكَلَّفين.
ويقال: قالوا بشرط الاستجابة أولاً، ثم استبصروا بموجب الحجة، ولم يثبتوا على وصف التقليد، ولم يكتفوا بالقالة دون صفاء الحالة.
" استقاموا ": الاستقامة هي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها من غير إخلالٍ بشيءٍ من أقسامها. ويقال: هم على قسمين.
مستقيم (في أصول) التوحيد والمعرفة.. وهذه صفة جميع المؤمنين.
ومستقيم في الفروع من غير عصيان.. وهؤلاء مختلفون؛ فمنهم.. ومنهم، ومنهم.
{ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ }: الذي لهم البشارة هم كل من استقام في التوحيد، ولم يشرك. فله الأمان من الخلود. ويقال: مَنْ كان له أصل الاستقامة أَمِنَ من الخلود في النار، ومن كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد من غير أن يلحقه سوءٌ بحالٍ.. ثم الاستقامة لهم على حسب أحوالهم؛ فمستقيمٌ في عهده، ومستقيم في عقده، ومستقيم في جهده ومراعاة حدِّه، ومستقيم في عقده وجهده حدِّه وحبِّه. وودِّه.. وهذا أتمُّهم.
ويقال: استقاموا على دوام الشهود وعلى انفراد القلب بالله.
ويقال: استقاموا في تصفية العقد ثم في توفية العهد ثم صحة القصد بدوام الوجد.
ويقال: استقاموا بأقوالهم ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم في وقتهم وفي مآلهم.
ويقال: أقاموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محتبه، وقاموا بشرائط خدمته.
ويقال: استقامةٌ الزاهدِ ألا يرجعَ إلى الدنيا، وألا يمنعَه الجاهُ بين الناس عن الله. واستقامةُ العارفِ ألا يشوبَ معرفتَه حظٌّ في الداريْن فيحجبه عن مولاه. واستقامةُ العابدِ ألا يعودَ إلى فترته واتباع شهوته، ولا يتداخله رياءٌ وتصنُّع واستقامة المُحِبِّ ألا يكون له أرَبٌ من محبوبه، بل يكتفي من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده.
{ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ }: إنما يكون الخوف في المستقل من الوقت، من حلولِ مكروهِ أو فوات محبوبٍ فالملائكةُ يبشرونهم بأن كل مطلوبٍ لهم سيكون، وكل محذورٍ لهم لا يكون.
والحزن من حُزُونه الوقت، ومن كان راضياً بما يجري فلا حزنَ له في عيشه. والملائكة يبشرونهم بأنهم لا حزونه في أحوالهم، وإنما هم الرَّوْح والراحة.
{ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ }: أي بحسن المآب،وبما وَعَدَ اللَّهُ من جميل الثواب.
والذي هو موعودٌ للأولياء بسفارة الملَكِ موجودٌ اليومَ لخواصِّ عباده بعطاء المَلِكِ؛ فلا يكون لأحدهم مطالعةٌ في المستقبل من حاله بل يكون بحكم الوقت؛ فلا يكون له خوفٌ؛ لأن الخوف - كما قلنا من قبل - ينشأ من تطلع إلى المستقبل إمَّا من زوالِ محبوبٍ أو حصولِ مكروه، وإن الذي بصفة الرضا لا حزونة في حاله ووقته.
ويمكن القول: { أَلاَّ تَخَافُواْ } من العذاب، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلفتم من الأسباب، { وَأَبْشِرُواْ } بحسن الثواب في المآب.
ويقال: { أَلاَّ تَخَافُواْ } من عزل الولاية، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما أسلفتم من الجناية، { وَأَبْشِرُواْ } بحسن العناية في البداية.
ويقال: { أَلاَّ تَخَافُواْ } مما أسلفتم، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلفتم، { وَأَبْشِرُواْ } بالجنة التي لها تكلفتم.
ويقال: { أَلاَّ تَخَافُواْ } المذلَّة، { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما أسلفتم من الزلَّة، { وَأَبْشِرُواْ } بدوام الوصلة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية