آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أعداء الإنسان التي تقطعه عن حضرة ربه.



{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }

الإشارة


اعلم أن أعداء الإنسان التي تقطعه عن حضرة ربه أربعة: النفس والشيطان والدنيا والناس. فمجاهدة النفس: بمخالفة هواها، وتحميلها ما يَثقُل عليها حتى ترتاض، ومجاهدة الشيطان: بعصيانه، والاشتغال بالله عنه، فإنه يذوب بذكر الله، ومجاهدة الدنيا: بالزهد فيها، والقناعة بما تيسر منها، ومجاهدة الناس: بالغيبة عنهم والإعراض عنهم في الإقبال والإدبار. فيقول الحقّ جلّ جلاله للمتوجهين إليه: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } ويصدونكم عن حضرته، ولا تعتدوا فتشتغلوا بهم عن ذكري، والإقبال عليّ، { إن الله لا يحب المعتدين }. بل اقتلوهم حيث تعرضوا لكم فقط، فإذا ظهرت صورة النفس أدبها، ثم غاب في الله عنها، وكذلك بقية القواطع. وكان شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه يقول: عداوة العدو حقّاً هي اشتغالك بمحبة الحبيب حقّاً، وأما إذا اشتغلت بعداوة العدو فاتتك محبة الحبيب، ونال العدو مراده منك. هـ. وأخرجوهم من قلوبكم من حيث أخرجوكم من حضرة ربكم، يعني: كما أخرجوكم من الحضرة في أيام الغفلة، أخرجوهم من قلوبكم في أيام اليقظة. والفتنة بالاشتغال بهم أشد من القتل لهم، ولا تقاتلوهم عند مسجد الحضرة وحال الغيبة في الله، فإن ذلك التفات إلى غير الله، كمن كان مقبلاً عليه حبيبه فجعل يلتفت إلى مَن يكلمه ويشغله عنه. وذلك في غاية الجفاء، حتى يقاتلوكم فيه، ويريدون أن يخرجوكم منه بوسوستهم، فإن قاتلوكم، وخطر على بالكم شيء من وسوستهم، فاقتلوهم بذكر الله، والتعوّذ منهم، فإن الله يكفيكم أمرهم، وينهزمون عنكم، كذلك جزاء الكافرين. فإن انتهوا عنكم، وانقطع عنكم خواطرهم، فغيبوا عنهم فإن الله يستركم عنهم، وقاتلوهم على الدوام حتى لا تكون في قلوبكم فتنة منهم، ويكون التوجه كله لله، لا ينازعه شيء مما سواه، فإن انتهوا عنكم فلا تتعرضوا لهم فإن ذلك عدوان وظلم،{ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ }[البقرة: 193]. 

فإن جَنَحَتْ نفسُك إلى حرمة الطاعة الظاهرة كتدريس علم أو جهاد أو غيرها، وأرادت أن تخرجك من حرمة الحضرة القدسية وهي الفكرة والشهود والمعاينة، فقاتلها وأخرجها من حرمة تلك الطاعة، فالحرمات قصاص. فكما أخرجتك من حضرة ربك القدسية أخرِجْها من حضرة الطاعة الحسية إلى الطاعة القلبية. فإن الذَّرَّةَ من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح. فمَن اعتدى عليكم، في زمن البطالة، فاعتدوا عليه في زمن اليقظة بمثل ما اعتدى عليكم. وكان شيخنا البوزيدي رضي الله عنه يقول: جوروا على نفوسكم بقدر ما جارت عليكم هـ. أي: اقتلوها بقدر ما قتلتكم بالبعد عن ربكم. وكان أيضاً يقول: جوروا على الوهم قل أن يجور عليكم. هـ. واتقوا الله فإن الله يعينكم عليها، { واعلموا أن الله مع المتقين }. وأنفقوا أنفسكم ومهجكم في سبيل الله، بأن تطرحوها في يد الله يفعل بها ما يشاء. { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فتدبروا لها، وتختاروا لها، وتعتنوا بشؤونها، فإن ذلك غفلة عن ربكم. { وأحسنوا } أي: ادخلوا في مقام الإحسان بأن تعبدوا لله كأنكم ترونه { إن الله يحب المحسنين } أي: يقربهم إلى حضرته، ويصطفيهم إلى محبته ومعرفته، خرطنا الله في سلكهم بمنِّه وكرمه.

تفسير البحر المديد 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية