الهمَّة ... هي تلك القوة الإرادية التي تعتمل في وجدان المتصوف فيرتقي بها الى معارج الكمال".
المعنى الاصطلاحي :
يقول الجرجاني في كتابه التعريفات :" توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية الى جانب الحق لحصول الكمال له أو لغيره".
أما ابن عجيبة فيعرفها بقوله: همة السالك القوة الباعثة له على السير ،و وقوفها مع الشيء واعتقادها إن ما وصلت إليه هو الغاية أو فيه كفاية.
وقد قسمها الصوفية الى ثلاث مراتب :
المرتبة الاولى : همة تنبيه او همة إرادة وهي الباعثة على طلب الباقي وترك الفاني وهي أول درجات الهمة .
المرتبة الثانية : همة إرادة أو همة الأنفة وهي تورث صاحبها الانفة في طلب الاجر على العمل حتى يأنف قلبه أن يشتغل بتوقع ما وعده الله تعالى من ثواب على العمل.
المرتبة الثالثة : همة حقيقة أو همة أرباب الهمم العالية وهي لا تتعلق الا بالحق ولا تلتفت الى غيره، ذات البعد التوحيدي غاية وسلوكا، إذ يعرفها ابن عربي بأنها "جمع الهمم بصفاء الإلهام، فتلك همم الشيوخ الأكابر من أهل الله الذين جمعوا هممهم على الحق و صيروها واحدة لأحدية المتعلق هربا من الكثرة لا من أحديتها في الصفات كانت أو في النسب أو في الأسماء، و هم متميزون في ذلك، أي هم على طبقات مختلفة، و إن الله يعاملهم بحسب ما هم عليه لا يردهم عن ذلك، إذ لكل مقام وجه الى الحق، وإنما يفعل ذلك ليتميز الكثير الاختصاص بالله الذي اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غيره من العبيد، فإن الله أنزل العالم بحسب المراتب لتعمير المراتب، فلو لم يقع التفاوت في العالم لكان بعض المراتب معطلا غير عامر، و ما في الوجود شيء معطل، بل هو معمور كله، فلا بد لكل مرتبة من عامر يكون حكمه بحسب مرتبته و لذلك فضل العالم بعضه بعضا وأصله في الإلهيات الأسماء الإلهية" ..
والهمة بهذه المعاني تعني القوة أو الطاقة الفعالة ، ولها مصدران في الانسان:
المصدر الاول :هو أصل الجبلة والاستعداد
المصدر الثاني : هو التربية والاكتساب
إذن فالهمة من العلامات الكبرى في طريق العرفان ، و لها الدور الفعال في الوصول إلى أعلى المقامات ذوقا وحالا.
إن الهمة العالية هي عبارة عن نشدان الكمال الممكن، فالإنسان لا يرضى إلا بأعلى المراتب في كل شيء، ولا يصبو إلا إلى ما أمكنه أن يصل إليه من الكمالات في كل الأحوال، وينظر إلى كل ما دون هذا الكمال نظرة استصغار. فإذاً: علو الهمة هو: استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وقيل: خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل. والمقصود من علو الهمة: أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن في العلم والعمل.
إذاً : نشدان الكمال الممكن يدخل في باقته الوصول إلى الكمال واستصغار كلما دون ذلك.ويقول الجرجاني في التعريفات: الهم هو: عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل من خير أو شر، سواءً كان هذا الهم هماً بخير أم هماً بشر.أما الهمة فهي: توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق؛ لحصول الكمال له أو لغيره.ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين: والهمة: فعلة من الهم، والهم هو: مبدأ الإرادة. أي: أن بداية الإرادة هم، ولكنه خص الهمة بنهاية الإرادة، فالهمة هي: التعبير عن نهاية وقمة وأعلى الإرادة، فأولها الهم، وآخرها وأعلاها الهمة، فالهم مبدؤها والهمة نهايتها.
يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول في بعض الآثار الإلهية: قول الله تعالى: إني لا أنظر إلى كلام الحكيم، وإنما أنظر إلى همته، قال: والعامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب.فعوام الناس مقاييسهم أن قيمة الإنسان هي ما يحسنه، أما الخواص فإنهم يقولون: قيمة الإنسان ما يصبو إليه، وما يطمح إليه، وما يطلبه، فقيمة المرء همته ومطلبه.
وقال صاحب المنازل: الهمة: ما يملك الانبعاث للمقصود صرفاً لا يتمالك صاحبها ولا يلتفت عنها، يعني: ينبعث قلبه نحو المقصود ونحو الطلب الذي يطلبه، ويستولي عليه كاستيلاء المالك على المملوك؛ بحيث لا يستطيع أن يتخلص من هذا النزوع إلى طلب الكمال.
والمراد: أن همة العبد إذا تعلقت بالحق تبارك وتعالى طلباً صادقاً خالصاً محظاً، فتلك هي الهمة العالية التي لا يقدر صاحبها على المهلة، ولا يستطيع أن يؤجل أو أن يرضى بما هو دون ذلك، ولا يتمالك صبره لغلبة سلطانه عليه، وشدة إلزامها إياه بطلب المقصود، ولا يلتفت عنها إلى ما سوى أحكامها، وصاحب هذه الهمة سريع وصوله وظفره بمطلوبه، ما لم تعقه العوائق، وتقطعه العلائق. والله تعالى أعلم.
وقال أيضاً: علو الهمة: ألا تقف دون الله، يعني: أن أعلى الهمة ألا تريد إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأنه هو أعلى وأشرف مطلوب، فمن طلب ما دون الله كانت همته غير عالية؛ فالهمة العالية لا تقف دون الله سبحانه وتعالى، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخفيفة الفانية. فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان؛ فإن الآفات قواطع وجواذب، وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه، وإنما تجتذب من المكان السافل، فعلو همة المرء عنوان فلاحه، وسفول همته عنوان حرمانه. انتهى كلام الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
ردحذفجزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
ردحذفجزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم