آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قوم استغرق الذكرُ جميعَ أوقاتهم { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً }

قال تعالى: { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً } .

قال ابن عربي : "{ الذين يذكرون الله } في جميع الأحوال وعلى جميع الهيئات { قياماً } في مقام الروح بالمشاهدة { وقعوداً } في محلّ القلب بالمكاشفة { وعلى جنوبهم } أي: تقلباتهم في مكان النفس بالمجاهدة { ويتفكرون } بألبابهم أي: عقولهم الخالصة عن شوب الوهم { في خلق } عالم الأرواح والأجساد".

استغرق الذكرُ جميعَ أوقاتهم ؛ فإن قاموا فبذكره ، وإن قعدوا أو ناموا أو سجدوا فجملة أحوالهم مستهلكة في حقائق الذكر. يذكرون الله قياماً على بساط الخدمة ثم يقعدون على بساط القربة . والذكر طريق الحق - سبحانه - فما سلك المريدون طريقاً أصحَّ وأوضح من طريق الذكر، وإن لم يكن فيه سوى قوله: " أنا جليس من ذكرني " لكان ذلك كافياً.

يقول القشيري : "والذاكرون على أقسام ، وذلك لتباين أحوالهم : فذكر يوجب قبض الذاكر لما يذكره من نَقْصٍ سَلَفَ له ، أو قُبْحٍ حصل منه ، فيمنعه خجله عن ذكره، فذلك ذكر قبض . وذكر يوجب بسط الذاكر لما يجد من لذائذ الذكر ثم تقريب الحقِّ إياه بجميل إقباله عليه . وذاكر هو محو في شهود مذكوره؛ فالذكر يجري على لسانه عادةً، وقلبه مُصْطَلَمٌ فيما بدا له . وذاكر هو محل الإجلال يأنف من ذكره ويستقذر وصفه، فكأنه لتصاغره عنه لا يريد أن يكون له في الدنيا والآخرة (ثناء) ولا بقاء، ولا كون ولا بهاء.

والذكر عنوان الولاية، وبيان الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة صفاء النهاية، فليس وراء الذكر شيء، وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر، ومُنْشَأَةٌ عن الذكر".

إن المريد يُؤمَر أول أَمرِهِ بذكر اللسان، حتى يفضي إلى الجنان، فينتقل الذكر إلى القلب ، ثم إلى الروح ، وهو الفكر، ثم إلى السر، وهو الشهود والعيان ، وهنا يخرس اللسان، ويغيب الإنسان في أنوار العيان.

فإذا بلغ العبد هذا المقام - الذي هو مقام الإفراد - اتحدت عنده الأوراد ، وصار ورداً واحداً ، وهو عكوف القلب في الحضرة بين فكرة ونظرة ، أو إفراد القلب بالله ، وتغيبه عما سواه . قال في الإحياء في كتاب الأوراد: "الموحد المستغرق بالواحد الصمد ، الذي أصبح وهمومه هم واحد، فلا يحب إلا الله ، ولا يخاف إلا منه ، ولا يتوقع الرزق من غيره ، ولا ينظر في شيء إلا يرى الله فيه ، فمن ارتفعت رتبته إلى هذه الدرجة ، لم يفتقر إلى ترتيب الأوراد واختلافها ، بل ورده بعد المكتوبات ورد واحد ، وهو حضور القلب مع الله في كل حال ، فلا يخطر بقلبه أمر، ولا يقرع سمعه قارع ، ولا يلوح لنظره لائح ، إلاَّ كان له فيه عبرة وفكرة ومزيد ، فلا محرك ولا مسكن إلا الله ". 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية