قال الله تعالى: {إنَّ الأبْرَارَ لفي نعيم عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ}{ومِزَاجُهُ مِنْ تَسْنيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ}"سِيرُوا، سَبَقَ المُفْرَدُونَ" قيل: من المفردون يا رسول الله؟ قال: "المُسْتَتِرُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَوْزَارَهُمْ فَوَرَدُوا القِيَامَةَ خِفَافاً" فالصوفي في مقام المفردين، والمتصوف في مقام السائرين واصل في سيره إلى مقرِّ القلب من ذكر الله عز وجل ومراقبته بقلبه وتلذذه بنظره إلى نظر الله إليه؛ فالصوفي في مقار الروح صاحب مشاهدة، والمتصوف في مقار القلب صاحب مراقبة، والمتشبه في مقاومة النفس صاحب مجاهدة وصاحب محاسبة؛ فتلوين الصوفي بوجود قلبه. وتلوين المتصوف بوجود نفسه، والمتشبه لا تلوين له لأن التلوين لأرباب الأحوال، والمتشبه مجتهد سالك لم يصل بعد إلى الأحوال، والكل تجمعهم دائرة الاصطفاء.
قال الله تعالى: {ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخَيْرَاتِ} وقال بعضهم: الظالم الذي يجزع من البلاء، والمقتصد الذي يصبر عند البلاء، والسابق الذي يتلذذ بالبلاء. وقال بعضهم: الظالم يعبد على الغفلة والعادة، والمقتصد يعبد على الرغبة والرهبة، والسابق يعبد على الهيبة والمنة. وقال بعضهم: الظالم يذكر الله بلسانه، والمقتصد بقلبه، والسابق لا ينسى ربه. وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله: الظالم: صاحب الأقوال، والمقتصد: صاحب الأفعال، والسابق: صاحب الأحوال. وكل هذه الأقوال قريبة التناسب من حال الصوفي والمتصوف والمتشبه، وكلهم من أهل الفلاح والنجاح، تجمعهم دائرة الاصطفاء، وتؤلف بينهم نسبة التخصص بالمنح والعطاء.
كتاب عوارف المعارف للسهروردي