آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ، الفوزُ بالمطلوب، والظَّفَرُ بالمقصود.

{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ}
قال القشيري: " الفَلاَحُ ": الفوزُ بالمطلوبِ والظَّفَرُ بالمقصود.
والإيمانُ انتسامُ الحقِّ في السريرة، ومخامرةُ التصديقِ خلاصةَ القلب، واستمكانُ التحقيقِ من تأمور الفؤاد.

والخشوعُ في الصلاة إطراقُ السِّرِّ على بِساطِ النَّجوى باستكمالِ نَعْتِ الهيبة، والذوبانِ تحت سلطان الكشف، والامتحاءِ عند غَلَبَاتِ التَّجلِّي.ويقال أَدْرَكَ ثَمَرَاتِ القُرْبِ وفَازَ بكمالِ الأُنْسِ مَنْ وَقَفَ على بِساط النجوى بنعت الهيبة، ومراعاةِ آداب الحضرة. ولا يَكْملُ الأنْسُ بلقاءِ المحبوب إلا عند فَقْدِ الرقيب. وأشدُّ الرقباء وأكثرهم تنغيصاً لأوان القرب النَّفْسُ؛ فلا راحةَ للمُصَلِّي مع حضورِ نَفْسه، فإذا خنس عن نَفْسِه وشاهِدِه عَدِمَ إحساسَه بآفاتِ نَفْسِه، وطابَ له العيشُ، وتَمَّتْ له النُّعْمَى، وتَجلَّتَ له البُشْرى، ووَجَدَ لذَّةَ الحياةِ.

     قلت: كأنه فسر الفلاح والإيمان والخشوع بغايتهن، فأول الفلاح: الدخول في حوز الإسلام بحصول الإيمان، وغايته: إشراق شمس العرفان، وأول الإيمان: تصديق القلب بوجود الرب، من طرق الاستدلال والبرهان، وغايته: إشراق أسرار الذات على السريرة، فيصير الدليل محل العيان، فتَبتَهج السريرة بمخامرة الذوق والوجدان، وأول الخشوع: تدبر القول فيما يقول، وحضوره عندما يفعل، وغايته: غيبته عن فعله في شهود معبوده، فينمحي وجود العبد عند تجلي أنوار الرب، فتكون صلاته شكراً لا قهراً، كما قال سيد العارفين صلى الله عليه وسلم: " أفلا أكون عبداً شكوراً ". ولا تتحقق هذه المقامات إلا بالإعراض عن اللغو، وهو كل ما يشغل عن الله، وتزكية النفوس ببذلها في مرضاة الله، وإمساك الجوارح عن محارم الله، وحفظ الأنفاس والساعات، التي هي أمانات عند العبد من الله. قال في القوت: قال بعض العارفين: إن لله - عز وجل - إلى عبده سرّيْن يُسِرهما إليه، يُوجده ذلك بإلهام يُلهَمهُ، أحدهما: إذا وُلِد وخرج من بطن أمه، يقول له: " عبدي، قد أخرجتك إلى الدنيا طاهراً نظيفاً، واستودعتك عُمرك، ائتمنتك عليه، فانظر كيف تحفظ الأمانة، وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك " وسِرٌ عن خروج روحه، يقول له: " عبدي، ماذا صنعت في أمانتي عندك؟ هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية، فالقاك بالوفاء والجزاء؟ أو أضعتها فألقاك بالمطالبة والعقاب؟ " فهذا داخل في قوله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }

وفي قوله عز وجل: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }[البقرة: 40]
فعُمْر العبد أمانة عنده، إن حفظه أدى الأمانة، وإن ضيَّعه فقد خان، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ }.

تقسير ابن عجيبة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية