قال شفيق البلخي لحاتم الأصم : مذ أنت صحبتني أي شيء تعلمت ؟ قال : " ست كلمات " قال : أولهن ؟ قال : " رأيت كل الناس في شك من أمر الرزق ، وإني توكلت على الله تعالى ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) فعلمت أني من هذه الدواب واحد فلم أشغل نفسي بشيء قد تكفل لي به ربي ، قال : أحسنت ، فما الثانية ؟ قال : رأيت لكل إنسان صديقا يفشي إليه سره ويشكو إليه أمره ، فقلت : أنظر من صديقي فكل صديق وأخ رأيته قبل الموت فأردت أن أتخذ صديقا يكون لي بعد الموت فصادقت الخير ; ليكون معي إلى الحساب ، ويجوز معي إلى الصراط ويثبتني بين يدي الله عز وجل . قال : أصبت فما الثالثة ؟ قال : رأيت كل الناس لهم عدو ، فقلت أنظر من عدوي فأما من اغتابني فليس عدوي ، وأما من أخذ مني شيئا فليس هو عدوي ، ولكن عدوي الذي إذا كنت في طاعة الله أمرني بمعصية الله ، فرأيت ذلك إبليس وجنوده فاتخذتهم عدوا ، فوضعت الحرب بيني وبينهم ، ووترت قوسي ووصلت سهمي فلا أدعه يقربني . قال : أحسنت ، فما الرابعة ؟ قال : رأيت الناس لهم طالب كل واحد منهم يوما واحدا فرأيت ذلك ملك الموت ففرغت له نفسي حتى إذا جاء لا ينبغي أن أمسكه فأمضي معه . قال : أحسنت ، فما الخامسة ؟ قال : نظرت في هذا الخلق فأحببت واحدا وأبغضت واحدا ، فالذي أحببته لم يعطني والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا فقلت : من أين أتيت هذا ؟ فرأيت أني أتيت هذا من قبل الحسد ، فطرحت الحسد من قلبي فأحببت الناس كلهم فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم ، قال : أحسنت فما السادسة ؟ قال : رأيت الناس كلهم لهم بيت ومأوى ، ورأيت مأواي القبر فكل شيء قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي حتى أعمر قبري فإن القبر إذا لم يكن عامرا لم يستطع القيام فيه ، فقال شقيق : عليك بهذه الخصال الستة فإنك لا تحتاج إلى علم غيره ".
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء