آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تربية الشيوخ للمريدين والشيخ الجاهل لا يربّي

اعلم أن الفساد الاختياري يسوقُ الصلاح الوهبي ، كما أن الصَّلاح الاختياري يسود الفساد القهري . وتربية المشايخ للمريدين كلها تدربهم على اقتحام الفساد الاختياري ، لأن الفساد الاختياري حتماً يجرّ الصلاح الوهبي ، وكلامنا هذا خاصّ بمريدي الخصوصية لا غيرهم . وكلّ من ريّض المريد في بدايته على الصلا ح الاختياري ، فقد عرّضه للفساد القهري ، ولا يعرّض المريد للفساد القهري إلاّ الجاهل بمعرفة النفس ودسائسها .

ولا شكّ أنّ الجاهل بالنفس هو الجاهل بالله ، كما أنّ العارف بالنفس هو العارف بالله ، والشيخ إذا كان جاهلا بنفسه كيف يتصوّر أن يُهذّب نَفس غيره ، الجاهل بالطريق لا يُخبر غيره به ، وإذا فعل فهو ضالّ هو ومن تبعَهُ ، كما قال الششتري في بعض كلامه حيث يقول :"من لا تَرَبَّى كيف يُرَبّي" ولا يُنتَفَعُ منه بشيء .

وأيضا سمعت الشيخ نفعنا الله به يقول :"يا أسفي على الجاهل الذي لم يعرف شيئا ، ويا أسفي على العالم الذي لم يَعمَل شيئا ، ويا أسفي على العالم العامل الذي لم يجمع بين العلم وفضل الجهل ، وبين خيْر العمل وخيْر البطلان . فمن وصل هذا المقام ، طوبَى له ، حُقَّ له الهَناءُ ، وهذا المقام يُسَمّى بمقام التمكين بالتلوّن . يقول الششتري رحمه الله :"وغايتي في الحب أن أتَلَوَّن" .


الفاني والباقي


واعلم أن المتكلم بغير الفناء ، ليس هو من أهل الفناء ، وإنّما هو كمن تعشَّق للفناء ، كما أن المتكلم بغير البقاء ليس هو من أهل البقاء ، وإنّما هو متعشّق للبقاء . وذلك لأنّ الكلام لا يكون ألاَّ عند التعشُّق ، لا عند الوصال . والتعشّق لا يكون إلاّ عند الاستشراف لا عند الوصول بالفعل . وأمّا إذا حصل الوصول بالفعل ، فالفعل ينقض القول الفاني : قوله بلسانه عزيز وفعله بذاته ذليلٌ . كما أنّ الفاني : قوله بلسانه ذليل وفعله بذاته عزيزٌ . الفاني بالذّات ، هو الباقي بالصفات ، وهذا أيضا هو الذي يُكنّى عند أهل الطريقة بالباقي بالله ، صار كلّ فان لا يقوم فناء ذاته ، إلاّ ببقاء صفاته . كما أنّ كل باق لا يقوم بقاءُ ذاته إلاَّ بفناء صفاته . لكن من لا فناء له بذاته فلا بقاء له بصفاته حتى يصير فان حقّا لا بقاءَ له بذاته ، ولا فناءَ له بصفاته ، حتى يصير باق حقّا . يقول صاحب القوانين(1) : الفَناء أساس الطريق ، به تُوصّل إلى مقام التحقيق ، وقال أيضا : كلّ باق فان ، وليس كل فان باق . 



** ** **



(1) الشيخ "أبي المواهب" مؤلف كتاب"قونين حكم الإشراق إلى كافة الصوفية بجميع الآفاق". 


نصيحة المريد في طريق
أهل السلوك والتجريد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية