قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } إشارة في الآية : إن الذين يزكون أنفسهم من أهل العلوم الظاهرة بالعلم، ويباهون به العلماء ويمارون به السفهاء لا تتزكى أنفسهم بمجرد تعلم العلم؛ بل يحصل لهم ذلك صفات أخرى من المذمومات مثل: المباهاة والمماراة ، والمجادلة والمفاخرة ، والعجب والكبر، والحسد والرياء ، وحب الجاه والرياسة ، وطلب الاستيلاء والغلبة على الأقران وإيذائهم وأمثال ذلك، فينقم هذه المذمات مع سائر الصفات النفسانية ، وتزيد في أمارية النفس بالسوء ، وتمردها عن الحق ، { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } [النساء: 49] ، لا بتزكية، وتهيأ لها بتسليم النفس إلى أرباب التزكية وهم العلماء الراسخون والمشايخ المحققون، كما يسلم الجلد إلى الدباغ ليجعله أديماً ، فمن سلم نفسه للتزكية ويصبر على تصرفاته ويسعى إلى إشاراته ولا يتعرض على معاملاته ويقاسي شدائد أعمال التزكية فقد أفلح بما تزكى ، { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [النساء: 49]؛ يعني : ولا يضيقون ما عملوا في التزكية بمقدار القيل ، بل يرون آثره في تزكية نفوسهم، يدل عليه قوله تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 7-8].
{ ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ } [النساء: 50] ، في ادعاء تزكية أنفسهم بمجرد تحصيل العلم ، وما سلكوا طريق الله في تزكية النفس بتسليمها إلى مزكيها وهي النبي صلى الله عليه وسلم في أيام حياته ، كما قال تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } [الجمعة: 2] ، وبعده هم العلماء الذين أخذوا التزكية ممن أخذوا منه قرناً بعد قرن من الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان إلى يومنا ، ولعمري أنهم في هذا الزمان أعز من الكبريت الأحمر.
تفسير التأويلات النجمية
في التفسير الإشاري الصوفي