آخر الأخبار

جاري التحميل ...

دور الزوايا والطرق الصوفية في التربية الروحية، الزاوية القادرية البودشيشية نموذجاً-1

دور الزوايا والطرق الصوفية في التربية الروحية، الزاوية القادرية البودشيشية نموذجاً-1


    إن المتتبع للشأن الصوفي في العالم الإسلامي بشكل عام، وفي المغرب بشكل خاص، يلاحظ حتماً هذه العودة القوية للاتجاه الصوفي إلى الواجهة، وبدء انهيار تلك الصورة القاتمة التي كانت تقدم للناس حول هذا التيار الفكري الراقي من التيارات التي عرفها العالم الإسلامي طيلة عهود طويلة من الزمن.
وقد تجلت هذه العودة بوضوح في الحضور الكثيف للتصوف على مستوى المشهد الثقافي والفكري، والمساهمة في الحركة الروحية والاجتماعية والسياسية المعاصرة، مما أدى إلى طرح كثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام : لماذا كل هذا الاهتمام بالتصوف ؟ ولماذا هذه الصحوة المفاجئة والعناية بهذا التيار دون غيره من التيارات ؟
لقد ظهر التصوف في العالم الإسلامي كمنحى نظري بداية من القرن الثالث الهجري، وذلك في عاصمة الخلافة العباسية بغداد، على أيدي رجال شهد لهم الأعداء قبل الأصدقاء بالعلم والفضل والصلاح، وأرسوا قواعد هذا التيار الحديث النشأة، ورسموا له الأسس المنهجية التي بني عليها، ولا تزال إلى الآن تمثل المصادر الأساسية لها العلم.
ومع نهاية القرن الثالث الهجري، بدأ الصوفية ينظمون أنفسهم طوائف وطرقا يخضعون فيها لنظم خاصة بكل طريقة، وكان قوام هذه الطرق، طائفة من المريدين يلتفون حول شيخ مرشد يدلل لهم طريق المعرفة الإلهية، ويبصرهم على الوجه الذي يحقق لهم كمال العلم وكمال العمل، فانتقل بذلك التصوف وتطور من ظاهرة أو مسألة فردية بين الإنسان وربه، إلى ظاهرة اجتماعية طرقية كثر رجالها وأتباعهم كثرة ظاهرة.
وهكذا مع تطور التصوف العلمي، وانتشار الظاهرة الصوفية، حيث كثر عدد الأتباع والمريدين، بدأت تظهر الطرق الصوفية بشكلها المتعارف عليه الآن، واحتلت الصدارة في الحياة الفكرية المعاصرة بسبب احتوائها قيماً وأفكاراً إنسانية راقية، مكنتها من الحضور القوي في المشهد الثقافي الوطني والإسلامي والدولي، بسبب ما تحمله من عمق في معرفة الحب الإلهي ، وأصالة في معرفة العلم الحقيقي والشرعي، وانفتاح في معرفة ثقافة الآخر.
من أجل هذا وذلك، اخترنا التركيز في هذا الملتقى الدولي الثاني حول التصوف، على نموذج الزاوية البودشيشية، وذلك نظراً لما يميزها من اهتمام خاص بالجانب التربوي ، أو ما يسميه أهل الزاوية بالإذن التربوي الخاص الذي يظهر على مريديها وفقرائها، والمناخ الروحي التي يحيون فيه بتوجيهات الشيخ ورعايته القلبية لهم.
وفي هذا الإطار يقول شيخ الطريقة سيدي حمزة : " إن من أهل الله من يدعو إلى التخلي قبل التحلي ، ومنهم من يدعو إلى التحلي قبل التخلي، ودعوتنا تبدأ بالتحلي ثم التخلي، ومعنى التحلي : تذوق حلاوة كل عبادة، والنفوذ إلى أسرار كل قربة يتقرب بها إلى الله، وتذوق الحلاوة يقابله وجود المرارة أو انعدام الطعم، وما لا طعم له لا يترك إلا لما هو حلو، وما هو أحلى يقدم على غيره، وهكذا تتفاضل الأعمال حسب أثرها في ذوق الإيمان، إلى أن يجد المدعو نفسه قد تخلى عن كل عمل قبيح، وتلبس بكل عمل مليح، عن طريق الذوق والتجربة المعيشة، وليس بمجرد التخمين والتقليد ".
لذلك نتمنى أن تكون هذه الندوة مناسبة للمزيد من التأمل في ظاهرة التصوف، وتعميق الفكر في دور الزوايا والطرق الصوفية في التربية الروحية إن على المستوى الوطني، أو على مستوى العالم الإسلامي، واستلهام نموذج الطريقة القادرية البودشيشية في المغرب، كنموذج لمنهاج روحي في التربية أثبت فاعليته على مدى عقود من الزمن، سواء داخل المغرب أو خارجه، وبالله توفيق.

الأستاذ إدريس قيشوح
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية