اعلم أن «هو» اسم موضوع للإشارة ، وهو عند الصوفية إخبار عند نهاية التحقيق ، وهو يحتاج عند أهل الظاهر إلى صلة تعينه ليكون الكلام مفيدا ، لأنك إذا قلت : «هو» ثم سكت فلا يكون الكلام مفيدا حتى تقول : هو قائم أو قاعد ، أو هو حي أو ميت وما أشبه ذلك.
فأما عند القوم فإذا قلت : هو فلا يسبق إلى قلوبهم غير ذكر الحق ،فيكتفون عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم فى حقائق المقرب باستيلاء ذكر الله على أسرارهم وانمحائهم عن شواهدهم فضلا عن إحساسهم بمن سواه ، وكان الإمام أبو بكر بن فورك رضى الله عنه يقول : «هو» حرفان : هاء وواو ، فالهاء تخرج من أقصى الحلق ، وهو آخر المخارج ، والواو تخرج من الشفة ، وهو أول المخارج ، فكأنه يشير إلى ابتداء كل حادث منه ، وانتهاء كل حادث إليه ، وليس له ابتداء ولا انتهاء ، وهو معنى قوله سبحانه : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) فقوله : «هو الأول» : إخبار عن قدمه ، وقوله «الآخر» : إخبار عن استحالة عدمه ، وهو الأول بإحسانه إليك بديا ، والآخر بإتاحته لك وإدامته عليك لطفا أبديا ، فكل خير لك به نظامه وعليه تمامه ، قال الله سبحانه : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) وقد حكى عن بعضهم أنه قال : رأيت بعض الوالهين فقلت : ما اسمك؟ فقال : هو ، قلت : من أنت؟ فقال : هو قلت : من أين جئت؟ فقال : هو ، فقلت : من تعنى بقولك هو؟ فقال : هو ، فما سألته عن شيء إلا قال : هو ، فقلت : لعلك تريد الله ، قال : فصاح وخرجت روحه.
الله كاشف كل شيء بأسمائه تعالى :
وقال أهل الإشارة : إن الله تعالى كاشف الأسرار بقوله : هو ، وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء ، وقيل كاشف المحبين بقوله : هو ، وكاشف المتيمين بقوله : الله ، وكاشف العلماء بقوله أحد ، وكاشف العقلاء بقوله الصمد ، وكاشف العوام بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وقيل : كاشف الخواص بإلاهيته ، وكاشف خاصة الخاصة بهويته ، وكاشف العوام بأفعاله الحاصلة بقدرته.(1)
«هو» : إسم من أسماء الله له هيبة وجلال عند أرباب الطريق والمكاشفات وأهل المشاهدة ، ومخرجه من باطن القلب ، وله حرارة تزكي الجسد والروح ، ومعناه حاضرلا يغيب ، لا يشتمل عليه زمان ولا يحويه مكان ، منزه عن مشابهة الحوادث قريب من عبده في أي زمان ومكان . الإله هو ولا إله إلا هو وهو مصدر الافتتاح والإيجاد والباء هوالله أحد . هو الأول والآخر . والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم . هو الحق . هو مصدر الجلال والجمال لأهل شهود النور الذاتي والمعنوي فلم يحتاجوا إلى غيره ولا إلى الأسباب والنتئج وهو مصدر الإكرام والإنعام لأهل شهود القيام في الكائنات بما احتاجوا إليه لظهورهم في العوالم الحسية . هو هو ولا مشهود غيره هو المحبوب الذي يستغنى بحبه ومعرفته عن كل ما سواه . هو نهاية النهايات ولا نهاية لكماله .وكل العوالم والكائنات والمعاني والدلالات تشير إليه :"هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ".
1 - شرح أسماء الله الحسنى لأبي القاسم عبد الكريم القشيري
جزاكم الله خيرا
ردحذف