اختلف الناس فيه فقال قائلون : ليس الاسم الأعظم لله اسماً معلوماً معيّنا ، بل كل اسم يذكر العبد ربه حال ما يكون مستغرقا في معرفة الله تعالى،فينقطع الفكر والعقل عن كل ما سواه ، فذالك الاسم هوالاسم الأعظم واحتجوا عليه بوجوه :
الأول : أن الاسم كلمة مركبة من حروف مخصوصة اصطلحوا على جعلها معرفة للمسمى ، فعلى هذا الاسم لا يكون له في ذاته شرف ومنقبة ، إنما شرفه ومنقبته بشرف المسمى ، وأشرف الموجودات وأكملها هو الله سبحانه وتعالى ، وكل اسم ذكرالعبد ربه به على ما يكون عارفا بعظمة الرب ، فذلك الاسم هو الاسم الأعظم .
الحجة الثانية : أنه تعالى فرد محض ، أحد محض ، منزه عن التركيب والتأليف ، فيستحيل أن يقال بعض أسمائه يدل على الجزء الأشرف من ذاته ، والآخر يدل على الجزء الذي ليس بالأشرف ، ولما كان هذا محالا كان جميع أسمائه دالة على ذاته الموصوفة بالوحدانية الحقيقية والفردانية الحقيقية ، وإذا كان كذلك امتنع كون بعض أسمائه أعظم من بعض .
الحجة الثالثة : الآثار المروية في هذا الباب ، منها ما روي أن واحدا سأل جعفر الصادق رضي الله عنه عن الاسم الأعظم ، فقال له : قم واشرع في هذا الحوض واغتسل حتى أعلمك الاسم الأعظم ، فلما شرع في الماء واغتسل ، وكان الزمان زمان الشتاء ، والماء في غاية البرد ، فلما أراد ان يخرج من جانب الماء أمر جعفر أصحابه حتى منعوه من الخروج عن الماء ، وكلما أراد أن يخرج ألقوه في ذلك الماء البارد ، فتضرع الرجل إليهم كثيرا ، فلم يقبلوا قوله ، فغلب على ظن ذلك الرجل أنهم يريدون قتله وإهلاكه ، فتضرّع إلى الله تعالى في أن يخلصه منهم ، فلما سمعوا منه ذلك الدعاء أخرجوه من الماء وألبسوه الثياب وتركوه حتى عادت القوة إليه ، ثم قال لجعفر الصادق : الآن علمني اسم الله الأعظم ، فقال جعفر : يا هذا إنك قد تعلمت الاسم الأعظم ، ودعوت الله به وأجابك ، فقال وكيف ذلك ؟ فقال جعفر : إن كل اسم من أسمائه تعالى يكون في غاية العظمة إلا أن الإنسان إذا ذكر اسم الله عند تعلّق قلبه بغير الله لم ينتفع به ، وإذا ذكره عند انقطاع طمعه من غير الله كان ذلك الاسم الأعظم ، وأنت لما غلب على ظنك أنا نقتلك لم يبق في قلبك تعويل إلا على فضل الله ، ففي تلك الحالة أي اسم ذكرته فإن ذلك الاسم هو الاسم الأعظم . ومنها أن رجلا جاء إلى أبي يزيد وقال : أخبرني عن اسم الله الأعظم ، فقال: أبو يزيد: اسم الله الأعظم ليس له حد محدود ؛ ولكن طهر قلبك لوحدانيته ، فإذا كنت كذلك فاذكر أي اسم شئت . ومنها ما روي عن الجنيد أنه جائته امرأة وقالت : ادع الله لي فإن ابني ضاع ، فقال : اذهبي واصطبري ، فمضت ثم عادت وقالت مثل ذلك مرات والجنيد يقول اصبري ، فقالت مرة : عيل صبري وما بقيت لي طاقة فادعُ لي ، فقال لها الجنيد : إن كان كما قلت فاذهبي فقد رجع ابنك ، فمضت ثم عادت تشكر الله ، فقيل للجنيد : بم عرفت ذلك ؟ قال : قال تعالى : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) .
واعلم أنه ظهر من هذا الكلام أن العبد كلما كان انقطاع قلبه عن الخلق أتم كان الاسم الذي به يذكر الله عزّ وجل أعظم ، ولا شكّ أن العبد في آخر نفَسه ينقطع أمله عن الخلق بالكلية فلم يبق في قلبه رجاء ولا خوف إلا من الله سبحانه وتعالى ، فلا جرم إذا ذكر العبد ربه في مثل ذلك الوقت بأي اسم كان ، فقد ذكره بأعظم الأسماء ، ومتى ذكر العبد ربه بأعظم الأسماء لزم في كرمه ورحمته وجوده أن يخص ذلك العبد بأعظم أنواع الجود والكرم وماذاك إلا بأن يخلصه من دركات العذاب ويوصله إلى درجات الثواب ، فلهذا المعنى قال عليه الصلاة والسلام :( مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .