آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم

     أي : لأن مقام المناجاة هو مقام الحضرة والموالاة ، فمن حظي بذلك المقام كيف ينام ؟ وتحقيق المناجاة خصت به الأرواح الروحانية الغواصة في البحور الوحدانية، خصت بذلك الأرواح دون الصور الجسدانية ، لأن الصورة لا تناجي بمناجاتها ، كما أن الروح لا تموت بمماتها ، لأن الروح قدسي ، والجسم أرضي ، فلما صح أن الروح لا تموت كذلك يصح أن لا تنام بنومه خلافا للمعتزلة والفلاسفة الذين يقولون إن الموت عدم محض ، وكذبوا برجوع الأرواح إلى الأجساد ، ويوم الوعد والمعاد فذهب بهم قولهم إلى التكذيب بالجنة ذات النعيم ، والتكذيب بالنار ذات الجحيم والكلام هنا يطول ، فإذا عرفت ذلك علمت أن الأرواح خلق الآخرة ، وهي في الدنيا في الأجناد موجودة إنما أرواح مناجية مقدسة عالمة عاملة . وأما أرواح غافلة عاصية جاهلة مظلمة سوادية النفس موسوسة ، فهذا حكمها في العالم اللطيف ومختلفاته في أنواره وظلماته .

     وأما حكم عالم الأجساد ، فهي تأكل وتشرب وتنام وتجري عليها العوارض والموت والآلام . وأما الأرواح القدسية ، فليس غذاؤها غذاء الجسدانية ، بل غذاؤها بالنور والذكر والحضور ، وشرابها من جنة بدوام السرور ، كأنها في عليين في مقعد صدق لمناجاة أرحم الراحمين لا يحجبها حجاب الطين ، ولا السموات ولا الأرضين ، ولا الحجب السبعين ، بل هي ناضرة إلى ربها ناظرة . وأما الأرواح السوادية فغذاؤها من الزقوم وشرابها من الحميم ، وهي محبوسة في سجين ، ونسأل الله السلامة والعافية ، ونعوذ بالله من خلق أهل النار ، وأن يجعلنا بفضله وكرمه من المصطفين الأخيار ، في زمرة سيدنا محمد المختار ، المخلدين في دار القرار ، وإتماما لذلك النعيم بالنظر إلى وجهه الكريم بلا حجاب عن ذي العرش العظيم ، وبلا حصر وحدود لذات الرحمن الرحيم ، انتهى . وهو عجيب .
**   **   **

كتاب :البيان والمزيد المشتمل على معاني التنزيه وحقائق التوحيد

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية