إن الصوفي لا يتم له مقام المعرفة إلا إذا خلصت النفس من شوائبها المذمومة وتحلت بالحلل المحمودة ، وهذه طريقة مسلوكة لكل من كان له نصيب من التصوف ، غير أن العارف قد يتخلص من كل ذميمة ويتعذر عليه التخلص من الهوى بعد الخروج عنه ، فكل من وقع به ما وقع وانقطع ورجع إلا بسبب متابعته الهوى ولهذا لا يؤمن على الصوفي إلا إذا لم يبق له هوى بل يكون هواه متبعا لمرضاة الله ، وسبب وجود الهوى بعد إقلاعه وجود بقية النفس في بعض الكمائن وعدم تصحيح مقام الفنا لما قيل من كان فناؤه مشوبا كان بقاؤه مشوبا ، ولا يسلم صاحب هذا الحال من وجود الخلل لبقية المرض ، فيجب على المريد أن يصحح مقام الفنا حتى يستكمل فيه ويجهد جهده لكي يتخلى من كل وصف مناقض لعبوديته ، فلا تكون الراحة إلا بعد التعب ، اتعب أيها المريد قليلاً تَستَرِح كثيرا حتى إذا تفرغت من تهذيب نفسك وأسقطت هواها تكون لك بدل أن تكون عليك.
ليس الشأن أن تقتل نفسك لأنها في الغالب لا تموت ، إنما الشأن أن تملكها وتستعبدها وتجعلها مطيتك تسيرها حيث شئت ، لا حيث شائت فمن كان حكيما يهذب نفوس أتباعه من المريدين حتى يكون هواهم تابعا لمرضاته ، ومن لم يهذب نفسه بعيد عنه أن يهذب نفوس الناس .