(مَنْ نَسبَ لنَفْسِهِ حَالاً أوْ مَقاماً فَهُوَ بَعيدٌ عَنْ طُرُقاتِ المَعارِفِ)
العارف لا ينسب لنفسه حالا ولا مقاما لفنائه عن المقامات والدرجات والأحوال ، مالكة لأهل البداية ، مملوكة لأهل النهاية ، والعارف غني بالله ، وقيل : إنّ العارف من قامت به المعارف ، لا من قام هو بها ، فهي تولت أمره ، وحاله ينبئ عليه بدون أن ينسب شيئا لنفسه ، مشتغلا بتصحيح أحواله مع الله ، قاطع النظر عن الخلق ، لا يتصنع لأحد ، تاركا الحقّ ينوب عنه في شؤونه ، ومن قام بمقام أو حال ، فذلك ليس من نسبته لنفسه لأنّ النفس ذهبت مع الذاهبين . قيل في هذا المعنى :
خلّفت أهلي ونفسي حقّا تركتها وكنت لنور الحقّ بالحقّ سارع
وكلّ ما برز على ألسنة العارفين ، من نسبة الأحوال والمقامات تصريحا أو تلويحا ، راجع للحقّ لا لأنفسهم ، والله مطلّع على أسرارهم ، ولو نسبوا شيئا من ذلك لأنفسهم لسقطوا من عين الله ، وحاشاهم من ذلك فلهذا كان العارف يقول ولا يبالي بما يقول ، لأنّه يتكلّم على لسان الحقّ لا على لسانه ، ومعرب عن ذات الحقّ لا عن ذاته.
وأما سواهم من المحجوبين فهو مرتهن بكلامه ، فلا تقس نفسك عليهم يا من لا تدري مقامهم ، تلك حدود الله .