تحضر الطريقة البودشيشية في أمريكا ليس فقط كتباً أو أبحاثاً أكاديمية أو محاضرات عامة ، وإنما تحضر أيضا في سياق آخر أكثر تعمقا وتجدّرا في النفس ، وذلك باعتبارها تجربة خاصة ورحلة حية لا يقف البعد الجغرافي ولا شساعة المحيط الأطلسي حاجزا دون سفر أرواح مريديها إلى مرشدها الروحي ، كما هو حال الأمريكية البيضاء البشرة "ذاكرة بيزلي" التي حكت رحلتها المادية والمعنوية إلى شيخ الطريقة البودشيشية حمزة القادري (1) في المؤتمر الصوفي الذي انعقد في كاليفورنيا من :16 إلى 19 أكتوبر 2008م.
يمكن عدُّ "ذاكرة بيزلي" نمودجا لهذا الحضور البودشيشي السلوكي النشيط في الولايات المتحدة ؛ إذ هي إحدى النساء الأمريكيات النشيطات داخل الطريقة البودشيشية في الولايات المتحدة الامريكية إلى جانب زوجها "فال بيزلي" فهما معا يديران اجتماعا للفقيرات والفقراء ينعقد مرة كل أسبوع في مدينة فيرجينيا ، وكانت "ذاكرة" قد بدأت مسارها الصوفي سنة 1972م من خلال تأثرها بتعاليم "حضرة عنايت خان" والمرشد "صامويل لويس" . وفي خريف سنة 2001م كانت تستعد للدخول في خلوة مع زملائها لكن تخلفهم عن المجيء سبّب لها توترا كبيرا ، ومع ذلك قررت أن تخوض التجربة بنفسها فدخلت الخلوة وأخدت في ترديد الأدعية والصلوات العميقة ، وفي ذلك اليوم شاهدت رؤيا للشيخ حمزة القادري البودشيشي الذي لم تكن تجمعها به أية روابط ، بالرغم من أنها كانت قد سمعت به من قبل ، بعد ذلك أدركت أنها بحاجة إلى شيخ حي وأن الطريقة البودشيشية هي أفضل نمودج حي يمكن ان يتخد في سلك هذا المسار ، وبالفعل التحقت بزوجها في أخد البيعة عن الشيخ ، الذي لم تتمكن من رؤيته والجلوس إليه إلا بعد رحلات متكررة إلى مقر الطريقة في مداغ شرق المغرب .
حكت "ذاكرة بيزلي" رحلتها إلى الشيخ سيدي حمزة بتأثر عميق بدا عليها ، وعلى الحضور الذين تابعوا بشغف كيف أصيبت بحالة وجدانية معقدة (2) وهي وسط الفقيرات البودشيشيات في فاس تناجي ربها من الأعماق .
وكيف أنها ستستجيب بعسر لعدم تداول أي أذكار أخرى كي لا تزداد أوضاعها الروحية تعقدا ، وكيف ستصل في النهاية إلى بر الأمان بلقاء الشيخ حمزة والتحدث إليه.
إن حكاية "ذاكرة بيزلي" تنقلنا إلى عالم آخر أكثر عمقا وتجوهرا إنه عالم التصوف بخصوصياته التي تتجاوز الحدود الأكاديمية وحتى المنطقية إلى حدود مظلقة منفتحة على الباطن والروح .
** ** **
1 - توفي قدس الله سره (18 يناير 2017)
2 - نتيجة لما كانت تذكره من أذكار متفرقة وغير مأذونة من الشيخ المربي.