إن الصوفية لهم طريق روحيّ ، يسيرون فيه ، وهذا الطريق يعتمد أساسا ومنهجا وغاية على القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة . وهذا الطريق قد جربه الصوفية ، فثبتت ثماره عن طريق التجربة أيضا ، وجوهر الطريق الصوفيّ هو ما سماه الصوفية : المقامات والأحوال .
والمقامات هى عبارة عن المنازل الروحية التى يمر بها السالك إلى الله ، فيقف فيها فترة من الزمن مجاهداً فى إطارها ، حتى يهيئ الله له سلوك الطريق إلى المنزل الثانى ، لكى يتدرج فى السمو الروحى من شريف إلى أشرف ، ومن ســام إلى أسمى ، وذلك مثــــلا كمنــــزل -(التوبة )الذى يهيئ إلى منزل (الورع) ومنزل الورع يهيئ إلى منزل (الزهد) وهكذا يصل الإنسان إلى منزلة (المحبة)وإلى منزلة (الرضى) وهذه المنازل لابد لها من جهاد وتزكية ، ولذلك يقولون عنها إنها مكتسبة اجتهاد فى الطاعة ، ومواصلة فى التسامى فى تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى .
أما الأحوال فإنَّها النسمات الروحيّة التى تهب على السالك ، فتنتعش بها نفسه لحظات خاطفة ثم تمر تاركة عطراً، تتشوق الروح للعودة إلى تنسم أريجه وذلك مثل : الأنس بالله.
وسواء أَكُنّا بصدد المقامات أم بصدد الأحوال ، فإن الصوفيّة فإن الصوفيّة اختلفوا فيها بين مجملٍ لها ومفصِّلٍ .
ولكن الملاحظ أنّهم في - وصف المقامات والأحوال - لا يتعارضون . واختلافهم إذن ليس اختلاف تناقض وتعارض ، وإنّما هو غختلاف بسط وإيجاز .
ويقول الإمام أبو نصر السرَّاج عن المقامات : " والمقامات مثل التوبة ، والورع ، والزهد ، والفقر ، والصَّبر ، والرِّضا ، وغير ذلك " .
ويقول عن الأحوال : وأمَّا معنى الأحوال : فهو ما يحلّ بالقلوب ، أو تحلّ به القلوب من صفاء الأذكار!
وقد حكي عن الجنيد رحمه الله ، أنه قال : الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم .
ويقول الطوسيّ أيضا :
وليس الحال من طريق المجاهدات والعبادات ، والرياضات كالمقامات التي ذكرناها . وهي - أي الأحوال - مثل :المراقبة ، والقرب ، والمحبة ، والخوف ، والرجاء ، والشوق ، والأنس ، والطمأنينة ، والمشاهدة ، واليقين ، وغير ذلك .
ويقول الإمام القشيري عن المقامات :
المقام :ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب ، مما يتوصل إليه بنوع تصرّف ، ويتحقق بضرب تطلّب ، ومقاساة تكلّف .
فمقام كل أحد ، موضع إقامته عند ذلك ، وما هو مشتغل بالرياضة له .
وشرطه : أن لايرتقي من مقام إلى مقام آخر ، ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، فإن من لا قناعة له لا يصحّ له التوكّل ، ومن لا توكّل له لا يصحّ له التّسليم ، وكذلك من لا توبة له لا تصحّ له الإنابة ، ومن لا ورع له لا يصحّ له الزهد .
ويقول عن الأحوال :
والحال عند القوم معنى يرد على القلب ، من غير تعمد منهم ولا اجتلاب واكتساب لهم ، من : طرب ، أو حزن ، أو بسط ، أو قبض ، أو شوق ، أو انزعاج ، أو هيبة ،أو احتياج . فالأحوال مواهب ، والمقامات مكاسب ، والأحوال تأتي من عين الجواد ، والمقامات تحصل ببذل المجهود ، وصاحب المقام ممكن في مقامه ، وصاحب الحال مُترقّ عن حاله .