قال بعضهم : إنّما سمّوا صوفية لأنهم كانو يلبسون الصّوف .
وقال بعضهم : لانهم صفّوا قلوبهم عمّا سوى الله تعالى .
وقال بعضهم : لأنهم قائمون يوم القيامة في الصفّ الأول ، وهوعالم القربة ؛ لأنّ العالم أربعة : عالم الملك والملكوت والجبروت واللّاهوت ، وهي عالم الحقيقة .
وكذا العلم أربعة : فعلم الشريعة ،وعلم الطريقة ، وعلم المعرفة ، وعلم الحقيقة .
وكذا الأرواح أربعة : روح جسماني ،وروح "روانّي" (سيرانّي) وروح سلطانيّ ، وروج قدسيّ .
وكذا التجليات أربعة : تجلّي الآثار ، وتجلّي الأفعال ، وتجلّي الصّفات ، وتجلّي الذّات .
وكذا العقل أربعة : عقل المعاشيّ ، وعقل المعاديّ ، وعقل الزمانيّ ، وعقل الكلّ .
والناس مقيّدون في مقابلة العلم الأربعة المذكورة - يعني : العلوم الأربعة والأرواح والتجلّيات والعقول .
فبعض الناس مقيّدون (بالأول) بالعلم الأوّل ، وبالروح الأوّل ، وبالعقل الأوّل في الجنّة الأولى ، وهي جنّة المأوى .
وبعضهم مقيّدون بالثّوالث في الجنّة الثّلثة وهي جنّة الفردوس ، وقد غفلوا عن حقيقة هذا الأمر .
وأهل الحقّ من الفقراء العارفين نفدوا من هذه الأمور كلّها إلى القربة ، لم يتقيّدوا بشيء ممّا سوى الله تعالى واتّبعو قول الله تعالى : (فَفِرّوا إِلَى اللهِ.. )كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"وَهُمَا حَرَامَانِ عَلَى أَهْلِ اللهِ" ، وقال الله تعالى في الحديث القدسيّ :"مَحَبَّتِي مَحَبَّةُ الفُقَرَاءِ" وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :"الفَقْرُ فَخْرِي" والمُراد من الفقر الفناء في الله ، لا يبقى في نفسه لنفسه شيء ، ولا يسع في قلبه غيرَ الله وحبّه كما قال الله تعالى في الحديث القدسيّ :"لاَ يَسَعْنِي أَرْضِي وَلاَ سَمَائِي وَلَكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِنِ" أي المؤمن الذي صفا قلبه من الصّفات البشريّة ، وخلا من الأغيار فوسع الحقَّ جلّ جلاله .
قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه : (لو أنّ العرش وما حواه أُلقي في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسَّ به) فمن أحبّ هؤلاءالمحبّين فهو معهم في الآخرة ، وعلامة حبِّهم حبّ صحبتهم ، والاشتياق إلى الله ولقائه ، كما قال الله تعالى في الحديث القدسيّ : (أَلاَ طَالَ شَوْقُ الأَبْرَارِ إِلَى لِقَائِي ، وَإِنّي لَأَشَدُّ شَوْقاً إِلَيْهِم) .
** ** **