يقول الإمام القشيري :واعلم أن الناس على أربعة أقسام :
الأول : أصحاب سوابق ، فتكون فكرتهم أبدا فيما سبق لهم من الرب في الأزل يعلمون أن الحكم الأزلي لا يتغير باكتساب العبد .
الثاني : أصحاب العواقب يتفكرون فيما يختم به أمرهم ، فإن الأمور بخواتيمها ، والعاقبة مستورة ، ولهذا قيل : لا يغرنك صفاء الأوقات ، فإن تحتها غوامض الآفات ، فكم من ربيع تتورد أشجاره وتظهر ثماره وأزهاره ووطن عليه أهله قلوبهم فلم يلبثوا أن أصابته جائحة سماوية فطاح واضمحل ، قال الله سبحانه : (أتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) فكم من مريد لاحت عليه أنوار الإرادة وظهرت عليه آثار السعادة وانتشر صيته في الآفاق وعقدت عليه الخناق بالأطباق ، وظنوا أنه من جملة أوليائه وأهل صفائه ، فأبدل بالوحشة صفاوة وبالغيبة ضيائه .
الثالث : هم أصحاب الوقت لا يشتغلون بالفكر في السوابق والعواقب بل يشتغلون بمراعات الوقت وأداء ما كلفوا من أحكام الوقت فيكون الغالب عليهم هذا .وقد قيل : العارف ابن وقته . وقيل : الصوفي من لا ماضي له ولا مستقبل .
الرابع : فالغالب عليهم ذكر الحق سبحانه فهم مأخودون بشهود الحق على مراعاة الأوقات لا يتفرغون إلى مراعات وقت وزمان ولا يتطلعون لشهود حين وأوان .
ما في النهار ولا في الليل لي فرج
ولا أبــالي أطــــال الـيل أم قـصرا
ثم قال : ليس عند ربكم صباح ولا مساء . أشار بهذا إلى أنه غير متطلع للأوقات ، بل هو مستغرق بشهود الموقف عن الحالات والتيارات.
وربما يزيد المعنى ويغلب على صاحب هذا النعت حتى يصير فانيا عن كل إحساس وحتى يفنى عن فنائه قال الله سبحانه :(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ) .