لا يصلح سماع هذا العلم إلا لمن حصلت له أربعة : الزهد والعلم والتوكل واليقين ، الحق تعالى مطلع على السرائر والظواهر في كل نَفَس وحال ، فأينما قلب رآه موثرا له حفظه من طوارق المحن ومضلات الفتن . فإن الحق تعالى يجري على لسانه علم كل زمان بما يليق بأهله ، إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره . من تحقق بالعبودية نظر أعماله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى وأقواله بعين الافتراء ، فإن عمرك نفَسٌ واحد فاجتهد أن يكون لك لا عليك فإن من اشتغل بطلب الدنيا ابتلي بالذل فيها ، لا تغب عن نقصان نفسك فتطغى . من تزين بزائل فهو مغرور فالحِمْيَةُ في الأبد إن ترك المخالفة بالجوارح ، والحميةُ في القلوب ترك الركون إلى الأغيار ، والحمية في النفوس ترك الدعوى ، فإن أنفع العلوم العلم بأحكام العبيد ، وأرفع العلوم معرفة التوحيد ، جعل الله قلوب أهل الدنيا محلا للغفلة والوسواس ، وقلوب العارفين مكانا للذكر والاستيناس ، فإن الخوف سوط يسوق به عباده إلى الطاعة ويعوقُ عن المعصية ، لا ينفع مع الكبر عمل ، ولا يضرُّ مع التواضع بطالة ، إن أقامكَ ثبُتت وإن قمتَ بنفسك سقطتَ ، اللهم فهمنا عنك فإنا لا نفهم عنك إلا بك . فليس مع البر ذلّ ، العجز كمن ألبس عز الاقتدار فإن من طلب لنفسه حالاً أو مقاماً فهو بعيدٌ عن طرقات المعاملة ، فالسعيد من يئس من الفرح إلا من عند مولاه ، فإن أفضل الطاعات عمارة الوقت بالمراقبات ، فالفتوة أن لا تشتغل بالخلق عن الحق ، الفتوة رؤية محاسن العبيد والغيبة عن مساويهم ، فإن من أخلص لله في معاملته تخلّص من الدعوى الكاذبة ، فإن أهل الصدق قليل في أهل الصلاح ، فالفقر نور ما دمت تستره ، فإذا أظهرته ذهب نوره . الجمع ما أسقط تفرقتك ومحى إشارتك ، والجمع استغراق أوصافك وتلاشي نعوتك فإن المدّعي من أشار إلى نفسه ، إنما حرموا الوصول لترك الاقتداء والدليل وسلوكهم الهوى، فالتوكل وثُوقك بالمضمون واستبدال الحركة بالسكون ، وأنصف الناس من نفسك واقبل النصيحة ممن دونك تدرك بشرف المنازل ، من لم يجد في قلبه زاجر فهو خراب فتوكل على الله حتى يكون الغالب على ذكرك فإن الخلق لم يغنوا عنك من الله شيئا ، فبالمحاسبة يصل العبد إلى الى درجة المراقبة ، فقر الأسف والبكا في مقام السلوك علم من أعلام الخدلان . إذا سَلَى القلب عن الشهوات فهو معافاً ، من لم يستغن بالله على نفسه صرعته ، من لم يقم بآداب أهل البدايات كيف يستقيم له دعوى النهايات . اطرح الدنيا على من أقبل عليها واقبل على مولاك . من تفرغ من اشتغال أقامه الحق في خدمته رفع الستور ، فإن العبد من انقطعت قاله إلا من عند مولاه . المحفوظون على طبقات : محفوظ عن الشرك والكفر بالهداية ، ومحفوظ عن الكبائر والصغائر بالعناية ، ومحفوظ عن الخطرات والغفلات بالرعاية . من أعرض عن الاعتراض فهو الحكيم المتأدب ، المحبة الأنس بالله والشوق إليه . شاهد مشاهدته لك ولا تشاهد مشاهدتك له ، من لم يخلع العذار لم ترفع له الأستار ، لا سيد ، أسير نفس وأسير شهوة وأسير هوىً ، أغنا الأغنياء من بدا له الحق حقيقة من حقه ، وأفقر الفقراء من ستر الحقًّ عنه حقه ، الخالي من الشوق مؤخر ، والأبيق فاقد المحبة ، الأرواح الرعاية والأشباح الوقاية ، نافخ الكير إن لم يحرقك بناره أذاك بشرره ، من أهمل الفرائض فقد ضيّع نفسه ، من لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه بصحبة العبيد ، من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه ، الدعوى من رعونة النفس ، المدعي منازع للربوبية ، انزعاج القلب لروعة الأنبياء أنجح من أعمال الثقلين ، فإن الرياضة في الأعمال . أبناء الدنيا تخدمهم العبيد والإماء وابناء الآخرة تخدمهم الأحرار الكرماء . الرياضة في المعاملات قطع الالتفات إلى الأعمال ، قطع المحجوبون بالأعمال عن ملاحظة المعمول له ولو لاحظوا المعمول له لاشتغلوا به عن رؤية الأعمال ، الحديث ما استدعيت من الجواب ، والكلام ما صدمك من الخطاب . الغيرة أن لا تعرف ولا تعرف ، الحق تعالى لا يراه أحد إلا مات ، من لم يمت لم ير الحق ، انكسار العاصي خير من صولة المطيع ، حب العلوّ على الناس سبب الانتكاس ، حلية العارف الخشية والهيبة ، الطمع في الخلق شك في الخالق ، بفساد العامّة تظهر ولاة الجور ، وبفساد الخاصة تظهر الدّجاجلة الختالون عن الدين ، احذر صحبة المبتدعة ، ابقا على دينك واحذر صحبة النساء انقا على قلبك ، من ظهر له نقص في شيخه لم ينتفع به ، الذكر شهود المذكور ودوام الحضور ، من لم يغفل عن ذكرك فلا تغفل عن ذكره ، من لم يغفل عن برك فلا تغفل عن شكره ، من جالس الذاكرين انتبه من غفلته ، من خدم الصالحين ارتفع لخدمته ، لسان الورع يدعوا إلى ترك الآفات ولسان التعبد يدعوا لدوام الاجتهاد ، ولسان المحبة يدعوا إلى الذوق والهيمان ، ولسان المعرفة يدعوا إلى الفنا والمَحْو والثبات والصّحو ، موافقة الإخوان تحقّق الرضا فيما لا يخطره العلم عليك ، قوت العارف بمعروفه ، وقوت الغني بمُعتاده ومألوفه ، سئل رحمه الله عن نهيهم عن صحبة الأحداث فقال :"هو المستقبل المر المبتدي في الطريق لم يجرب الأمور ولم يثبت له فيها قدم وإن كان ابن سبعن سنة" قال سهل رحمه الله :"لا تطلعوا الأحداث على الأسرار قبل تمكّنهم " وأما أهل العلل والنفوس الدنية فهم آخر من يذكروا بأمر او نهي . من هيّمه أثر النظر وأقلقه سماع الخبر انقطع في مفاوز الخطر ولم يلتفت إلى الآفات ، يقول في هيمانه كيف السبيل إلى وصل أعيش به . آفات الخلق الظن وآفات الصوفية اتباع الهوى ، همم العارفين لا تسمو إلى غير معروفهم ، من حرم احترام الاولياء ابتلاه الله بالمقت بين خلقه ، من أراد الصفا فليلتزم الوفا ، المقرّب مسرور في قربه والمحبّ معذّب في حبّه ، أسِّس هذا البنيان على الجدّ والاجتهاد وقطع المألوفات والاعتياد ، اسلذاذك للبلا تحقق بالرِّضا ، الفقر أمارة التوحيد ودلالة على التفريد ، لا شهيد غير سواه ، العبادة تنجيك من طغيان العلم ، والزاهد في راحة الزهد أعمّ من الورع لأن الورع أبقا والزهد قطع للكل ، الزهد فريضة وفضيلة وقربة ، فالفرض في الحرام ، والفضيلة في المتشابه ، والقربة في الحلال . من تعلم العلم ليعلّم به الناس أعطاه الله فهماً يعرف به الناس ، ومن تعلم العلم ليعامل به الحق أعطاه الله تعالى فهماً يعرف به الحق ، من قطع موصولا بربه قطع به ، من أشغل مشغولا بقربه أدركه المقت في الوقت ، يا نفس هذه موعظة إن اتعظت .
من سكن لغير الله بسرّه نزع الله من قلوب الخلائق الرحمة عليه ، وألبسه لباس الطمع فيهم . علامة الإخلاص أن تفني عنك الخلق في مشاهدة الحق ، بقاء الأبد في فنائك عنك ، ثمن التصوف تسليم كلّك ، من كان الأخد أحب إليه من الإخراج فليس بفقير ن الخوف إذا سكن القبل أورث المراقبة ، المهمل من الأعمال والأحوال لا يصلح لبساط الحق ، الأحوال مالكة لأهل البدايات فهي تصرفهم ومملكة لأهل النهايات فهم يصرفونها ، كل حقيقة لا تمحوا أثر العبد ورسومه فليست بحقيقة ، ثبات الأقدام بسلوك الاتباع والإيمان بالرسل الكرام ، لا يَكملُ العبد إلا بالإخلاص والمراقبة ، من طلب الحق من جهة الفضل وصل إليه ، التعظيم امتلاء القلب من جلال الرب ، همم العارفين علامة على مولاها ، احرص على أن يكون لك شيء تعرِفُ به كل شيء ، من لم يكن بالأحد لم يكن بأحد ، دليل تخليطك صحبتك للمخلطين ، دليل ركونك للبطّالين قربك للمبطلين ، دليل وحشتك أنسك للمستوحشين ، الزهد العزوف عن الدنيا والإعراض عنها لحقارتها وتركها لاستصغارها ورؤية أهوانها ، من ضيّع حقوق إخوانه ابتلي بتضييع حقوق الله ، قيّد نفسك بقيود الورع واطلق غيرك من ميدان العلم ، ما عرف الحق من لم يؤثره ، وما أطاعه من لم يشكره ، من ترك التدبير والاختيار طاب عيشه ، الإخلاص ما خفي عن النفس درايته وعلى الملك كتابته وعلى الشيطان غوايته وعلى الهوى إمالته ، الحضور استغراق القلب في الذكر لغلبة شهود المذكور ، عيش الأولياء في الدنيا عيش أهل الجنة أبدانهم تتمتع بأمره وأرواحهم تتنعّم بشهوده ونصره ، الفقر فخر والعلم غنا والصمت نجاة واليأس راحة والزهد عافية والغيبة عن الحق خيبة ، طلبك الإرادة قبل تصحيح التوبة غفلة ، الخمول نعمة على العبد لو عرف شكرها ، اضمحلال الرسوم وفناء العلوم لتحقق المعلوم ، سُنّتهُ عز وجل استدعاء العبيد بسعة الأرزاق ودوام المعافاة ليرجعوا إليه بنعمته وإن لم يرجعوا ابتلاهم بالبأساء والضراء لعلهم يرجعون لأن مراده عز وجل رجوع العبيد إليه طوعاً وكرها ، من نظر إلى المكونات نظر إرادة وشهوة حجب عن العبرة فيها والانتفاع بها ، وسئل عن قوله تعالى " وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ" قال بأعمالكم وأحوالكم ، فالشهيد يشاهد حاله فيطربه والميت يشاهد عمله فيقلقه ويكربه ، فهذا بالقبول والرد مخوَّف ، وذاك بالرحمة والغفران مستبشر ومشرف ، قال : "وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا" قال : الاستماع منه والتبليغ عنه ، وقال صراط الدلالة عليه والتبري من الحول والقوة إليه ، أنفع الكلام من كان عن مشاهدة وإنباءٌ عن حضور ، الذكر ما غيّبك بشهوده ، الذكر شهود الحقيقة وخمود الخليقة ، كثرة الطعام والمنام والكلام تقسي القلب ، من أعرض عن تحقيق النظر لم يجب عليه تغيير المنكر لأنه لم يتفقّه ، لمَّا لَمْ يصلحوا لمعرفتهم شغلهم برؤية الأعمال ، لا تكون له عبداً و لِغَيْرِه فيك بقية ، حق من عرف أحد لم يعرف الأحد ، ما بان أحد ولا اتّصل به أحد ، ما بان عنه من حيث العلم ولا اتّصل به من حيث الذات ، الأجسام أقلام والأرواح ألواح والنفوس كؤوس ، إياكم والمحاكات قبل إحكام الطريق وتمكن الأحوال فإنها تقطع بكم ، ترك الدنيا أيسر من أخدها لها "أرحنا بها يا بلال" قال : من ثِقل الغيبة عنه ، لا طريق أوصل إلى الحق من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه ، إذا أراد الله بعبد خيرا أنسه بذكره ووفقه لشكره ، من أنس بالخلق استوحش من الحق ، بالغفلة تنال الشهوة ، مخالطة أهل البدع تميت القلب ، من فيه أدنى بدعة فاحذره ، إذا رأيتم الرجل تظهر له الكرامات وتنخرق له العادات فلا تركنوا إليه ولكن انظروا كيف هو عند امتثال الأمر والنهي ، من اكتفى بالكلام في العلم دون الإتصاف بحقيقته تزندق وانقطع ، من لم يأخد الأدب من المؤدبين أفسد من تبعه ، من اكتفى بالتعبد دون فقه خرج وابتدع ، ومن اكتفى بالفقه دون ورع اغتر وانخدع ، الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم وسرك بالاحترام والتعظيم ، الشيخ من هذّبك بأخلاقه وأدّبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه ، الشيخ من جمعك في حضوره وحفظك في مغيبه ، أثار نوره مع الفقراء بالأدب والارتباط ، ومع المشايخ بالخدمة والاغتباط ، ومع العارفين بالتواضع والانحطاط ، حسِّن معاملتك مع كل شخص بما يؤنسه ولا يوحشه ، ومع العلماء بحسن الاستماع والافتقار ، ومع أهل المعرفة بالسكون والانتظار ومع أهل المقامات بالتوحيد والانكسار .
** ** **
منقول عن مخطوطة
عنوان المخطوطة : رسالة في التصوف.
المؤلف : غير محدث .
الرقم العام :5673
مخطوطات جامعة الملك سعود .
منقول عن مخطوطة
عنوان المخطوطة : رسالة في التصوف.
المؤلف : غير محدث .
الرقم العام :5673
مخطوطات جامعة الملك سعود .