آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوهم يحجب عن التمتّع بأسرار الحقيقة

  اعلم يا فقيروفقك الله سبحانه وإيّاي لما فيه رضاه أن هذا العالم ما حجبه عن التمتّع بأسرار حقيقته إلا الوهم الذي هو الباطل الموقع لصاحبه في الوساوس الشيطانية الشاطنة عن الله سبحانه ، الخارجة عن الأصول الصادّة عن الوصول ، الموقعة في الريب والشك في المقدور ، فيترك الإنسان بسبب وهمه ما خُلق له من أجله ويقبل على طلب ما ضمن له ، وذلك عين الخدلان عافانا الله جميعا .

وقد قال ولي الله سيدي ابن عطاء الله في حكَمِه : "ما قادك شيءٌ مثلُ الوهم" . فالوهم هو الذي ترك الإنسان يدور في الكون بنعت الغيبة عن المكوّن ، وأما من سلم من خواطره الظلمانية ووساوسه الشيطانية فلا جرم أنه ينتقل من الأكوان إلى المكوّن لانتفاء العدم عند تجلّي نور القدم .
وقد علمت أنّ الوهم عدم لا وجود له ، بل أنت الذي أوجدته بوهمك وجعلته مخاصماً على نفسك . ولو كان موجوداً حقيقةً لكان الحكم له تارة وتارة عليه ، ولما رأينا الحكم دائماً عليه علمنا أنه عدم لا يتصرّف في الوجود بوجه من الوجوه . فمن خرج عن وهمه ظفر بربّه ، والخروج عن الوهم يكون بنعت الخروج عن العوالم الموصوفة بصورة الباطل وقد قال صلى الله عليه وسلم :"أصدق كلمة قالها لبيد :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل"

فالكون كله باطل والباطل كله وهم ، لكن الخروج عن الوهم لا يكون إلاّ بعد الخروج عن أصله ومادة وجوده التي تمتدّ منها سواقيه وهي النفس الأمّارة الشاغلة عن الله الصادّة عنه بوجود هواجسها وخواطرها الفتّانة.

والخروج عنها لا يقدر عليه كل أحد ، بل لا يخرج عنها إلاّ من سبقت له العناية ، فَأُيِّدَ من الكريم بعين الحفظ والرعاية ، فكان مُيَسّراً لاستعمال أجنحة الطيران من عالم الباطل إلى عالم الحق ، ومن عالم الكثافة إلى عالم اللطافة ، إلى غير ذلك . وتلك الأجنحة تنبت من صدق الإخلاص ، فمن وظائف العبودية المخرجة عن كل وصف مؤذن بالحرية مثل الرياسة وحب الجاه وغير ذلك من الأوصاف الوهمية التي من محبتها للنفوس تبذل كل ما لديها من الفلوس ولا تقدر على تركها ولا على الخروج عنها وهي تعلم أنها صارفة لها عن الله ، ولكن حلاوة الطبع غيّبتها عن حكم الشرع والعياذ بالله .

فترى أصحاب الرياسة الحسيّة والمعنويّة إذا رأوا أحداً أخد في هدم دعائم وجوده الحسّي تصيح نفوسهم وتقول : ما هذا ؟ أليس المروءة من الإيمان ؟ أليس الرياء والسمعة حرام ؟ أليس غير ذلك ؟ وكل ما تقوله هو حق أُريدَ به باطل ، لأنها تدافع عن نفسها ما يصرفها عن ملاذ طبعها لا غير ، وإلاّ فأي مروءة نقول : المروءة الحقيقية هي أن تأخد بميزان الشرع وترمي بتطفيف الطبع ، وما عدا هذا فهو كبر وطغيان في بلاد النفوس ، ومن صادق الله في النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين عرف ما قد قلناه وأدرك سرّ ما أردناه ، ومن أقام حضرة الغرام في عشّ نفسه فلا كلام معه . والسلام .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية