فصل في آداب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
ينبغي للطالب أن يكون صادقا في طلبه ومخلصا في عبادته وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وفي طلبه وعبادته لا يشرك غيره وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ولا يطلب شيئا من غيره ولا يستعين من غيره حتى الملح والماء ، قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشترط عليَّ لا تسأل الناس ، قلتُ نعم ، قال : لا ولا سوطك ، إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخده ، ولا ترغب ولا تميل إلى شيء سوى الله تعالى ، ولا تحزن من فوت شيء لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ . ونقل في روضة الزبد وصية : حكي أن أربعين رجلا بعد تحصيل العلوم المتداول خرجوا لطلب الحق ووجدانه ومعرفته وتعاهدوا بينهم قبل الوصول إلى الله تعالى لا نتوجه إلى شيء ولا نرغب ولا نلتفت إلى أحد ، فلمّا وصلوا إلى الصحراء استقبلهم الخضر عليه السلام فسلم عليهم وقال : أنا الخضر ، فحصل لهم الفرح والانبساط وشكروا الله وقالوا هذا سفر مبارك ، فهتف بهم هاتف : ياكذّابون نسيتم العهد . فحصل لهم الندم والخجل ، فسجدوا لله استحياءً فماتوا كلهم إلا رجلاً واحداً . فرفع رأسه وقال : يا الله أنا ما كنت منهم ، فألهمه الله أنه يأتيك مدّع آخر فأخبره وتعال . فبعد ثلاثة أيام جاء إبراهيم بن أدهم فرأى ناساً كثيراً ميِّتين إلا واحداً ، فجاء إبراهيم عنده فسأله فحدّثه بالحكاية ومات . فتنبه إبراهيم بن أدهم ، فبعده ما تأنّس بأنس ولا بدار ولا بديار .
فاعلم أيها الطالب لا ترضى ولا تقنع بشيء دون الحق لأنه من رضي من العلم بالعلم فهو مفتون ، ومن رضي من الزهد بالثناء فهو محجوب ، ومن رضي من الحق بشيء مما دون الحق كائنا ما كان فهو طاغ . فاحذر الحذر عمن سوى الله ، فاطلب من ورائهم كما جاء في الآية الكريمة إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أما طلب الشيخ فهو عين طلبه تعالى ابتغوا إليه الوسيلة ، الرفيق ثم الطريق ، من لا شيخ له فشيخه الشيطان ، لكن لا ينبغي ان تعتقد أن الشيخ مقصود ومطلوب ، فالشيخ كالكعبة يسجدون إليها ، فالسجدة لله فهكذا الشيخ . فإذا حصل لأحد طلب المعرفة والوصول إليها وهاج العشق واحترق بنار الفراق ، وحصل له الاضطراب والقلق ، فيتوب توبة نصوحا مع الأركان والشرائط مع اعتقاد أهل السنة والجماعة ، ولا يتوجه إلى مسائل الرخصة ، ثم يطلب شيخا كاملا مكملا ، فإذا وجد الشيخ فيصحبه ويخدمه مع الأدب لأن خاصية الأشياء حق ، فخاصية سوء الأدب أن تزول البركة ويبدل النور بالظلمة ، فإنه يرجع إليه الضرر تغير طبع الشيخ أو لم يتغير ، كما نقل : كان الإمام زُفر رحمه الله يتوضأ فمرّ أبوحنيفة عليه ، والإمام زُفر ما قام له وما عظّمه لأجل ذلك كانت روايته ضعيفة ، وإلا فقد كان من أجلة أصحابه باعتبار العلم والتعاهد.
فالزم الأدب مع جميع الخلائق على حسب مقاماتهم ومراتبهم ، وفي طلبه تعالى الشرط الأعظم تطهير القلب من مطالعة الغير والسوى ، وتطهير الأبدان من المحرمات والمكروهات . قال أبو يزيد البسطامي قدس الله سره : "إذا ذكرتُ الدنيا أتوضّأُ وإذا ذكرتُ الآخرة أَغتسل" وإن حصل لك طهارة البدن والقلب فيتجلى الله تعالى بتجل خاص فيتيسر السلوك وتحصل الأحوال والمقامات ، فتعمل الأعمال بامتثال أمره أو لتعظيم أمره ، أي التعظيم لأمر الله , فلا يطلب إلا منه ولا يطلب ولا يخاف إلا منه ، كما قال سهل بن عبد الله :"كنت في البادية فرأيت رجلا فحصل لي الخوف منه ، قلت : أجنيٌّ أنتَ أم إنسيٌّ فقد خوّفتني ، قال : أمومِنٌ أنتَ أم كافِر ، فقد شَكّكتَنِي ، قلتُ : بَل مؤمن ، قال : اسْكُتْ ، المُؤمن لا يَخاف غير الله تعالى .
فطلب غير الذات الأحدية يكون حجاباً أو بعداً ، فالكشف والكرامات أسباب الغرور واحتمال المكر وكيد الشيطان . ولا تنظر إلى صاحب الكشف والكرامات بنظر التحقير لأن كرامات الأولياء حق والإيمان به واجب. فإذا وجدت الشيخ الكامل المكمل ففوِّض الأمر كله إليه واترك الصلوات الزوائد وصيام النوافل والأوراد كلها إلا ما أمر به الشيخ ، وقيل خد العلم من أفواه الرجال . وذكر في نفحات الأنس كان الشيخ شمس الدين الصفيّ رجلا صالحا يذكر الله تعالى على الدوام وما لقنه بشيخ ، فرأى ذكره في الواقعة كأنه صور بصورة النور وخرج من الفم ودخل في الأرض ، وبعد الإفاقة تأمل وقال لنفسه ما أرى لي فيه الخير لأن الله تعالى قال : إليه يصعد الكلم الطيب ، فهذا خلاف ذلك عسى أن يكون من عدم تلقين الشيخ المكمل ، فأخد الذكر عن بعض خلفاء دون بيان البقلي ، فرأى في تلك الليلة في الواقعة لذكره كأنه صور بصورة النور ويصعد إلى السماء ويحرقها . وقال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى : شجر ينبت في الصحراء بلا تربية أحد لا يثمر ، وإن أثمر لا يكون له اللذة ، فأخدت هذه الطريقة من النصرابادي .
وقال شيخنا خوجة محمد الباقي قدس الله سره : إن طريق الأدبية حق ، ووصل أناس كثير إلى الله تعالى بتربية الروحانية كأبي يزيد البسطامي كان في تربية روحانية الإمام جعفر الصادق، وعند المحققين تحقق ولادة أبي يزيد بعد موت الإمام جعفر ، وأبو الحسن الخرقاني وجد التربية من روحانية أبي يزيد ، قال شيخنا خوجة محمد رحمه الله تعالى : أما الاحتياج للشيخ الظاهر باق لأن تعليم الذكر وتلقينه بلا رخصة الشيخ المكمل لا يكون فيه بركة ولا خير . فعزمت إلى سمرقند في قرية أمكنك عند ملاخوجكي ، أمكنني فأعلمني طريقة النقشبندية وأجازني ، وهو من ملا درويش محمد ، وهو من ملا محمد زاهد ، وهو من خوجة عبيد الله أحرار ، وهو من الشيخ يعقوب الجرخي ، وهو من خوجة بهاء الدين التقشبند ، وهو من أمير سيد كلال ، وهو من خوجة محمد بابا ستماسي ، وهو من خوجة علي راميتني ، وهو من خوجة محمود وانجير الفغنوي ، وهو من خوجة عارف ريوكري ، وهو من خوجة جهان خوجة عبد الخالق الغجدوانى ، وهو من شيخ يوسف بن أيوب الهمداني ، وهو من أبي علي الفارمدي ، وهو من أبي القاسم الكركاني ، وله نسبتان في طريق الباطن ، إحداهما الشيخ أبو عثمان المغربي ، وهو من أبي علي الكاتب ، وهو من أبي علي الرودباري ، وهو من جنيد البغدادي ، وهو من سري السقطي ابن المغلس ، وهو من معروف الكرخي ، وهو من داوود الطائي ، وهو من حبيب العجمي ، وهو من حسن البصري ، وهو من أسد الله الغالب علي بن أبي طالب رضي الله عنه . والنسبة الثانية لأبي القاسم الكركاني هكذا : وهو من أبي الحسن الخرقاني ، وهو من أبي يزيد ، وثبت عند المحققين ولادة أبي الحسن الخرقاني بعد موت أبي يزيد البسطامي بزمان طويل ، وكان تربيته من روحانيته ، ويتصل خرقته إلى أبي يزيد البسطامي بثلاث وسايط : أبو يزيد البسطامي من الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه ، وهو من قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم ، وهو جد الإمام جعفر الصادق من جانب أمه ، وهو من سلمان الفارسي . فمع وجود شرف صحبته النبي صلى الله عليه وسلم له ، أخد نور الولاية عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو من خاتم الأنبياء والرسل نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. والنسبة الأخرى للإمام جعفر الصادق من أبيه الإمام حسين رضي الله عنه ، وهو من أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو من خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم . هذا رواه في قوت القلوب ، ومشايخ الطريق يسمون هذه الطريقة سلسلة الذهب لشرافته .