معرفة الشيخ والولي
الولي هو الذي يكون عارفا بالله وصفاته وتقدس ذوقا ووجدانا لا استدلالا كالمتكلمين والحكماء والصوفية البطالين القائلين بوحدة الوجود بالتقليد لا بالحال والوجدان . والولي يكون زاهدا ومتورعا ومتقيا وعابدا لله ويكون عمله موافقا للكتاب والسنة ، ويكون مجتنبا عن الحرام والمكروهات والشبهات ، ولا يكون تابعا للهواء والنفس ، ونهى النفس عن الهوى ، ويكون منصرفا عما سوى الله تعالى . وظهور الكرامات بل قدرتها ليس بشرط ، وعدم انصراف القلب عما سوى الله تعالى ، وعدم تعلقه بما سواه أن لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ شرط كما قيل ، أرسل السلطان الدهلي للشيخ نظام الدين الأولياء مبلغا كثيرا من المال فجاء الخادم وأخبره ، فقال : الشيخ الحمد لله . فجاء الخادم يوما آخر فقال : يا شيخي سرق السارق جميع المال ما جاء من السلطان ومعه شيء آخر ، فقال : الحمد لله ، فقال واحد من العلماء في المجلس : يا شيخ ما ورد الحمد على فقدان النعمة ! فقال الشيخ . يا أيها المؤمنون لما أتى هذا الفتوح توجهت إلى القلب فما وجدت مقدار حبة من خردل سرورا في القلب فحمدت الله تعالى ، ثم جاء الخبر عن تلف المال فتوجهت إلى القلب فما وجدت مقدار حبة من خردل تغيرا من فقدانه فحمدت الله تعالى وشكرته لا لإتيانه ولا لفقدانه . فعلامة عدم التعلق مع الأشياء والشيخوخة والجاه ، إن فقد شيئا منها أو أخد أحد من ماله بلا إذنه لا يتغير باطنه ، أو ارتدّ مريد عنه أو ذهب عند شيخ آخر كان أقوى منه حالاً ومقاماً فلا يتغير باطنه ، وإن آذاه أحد فلا يتوجه إلى انتقامه ، ولا يتغير بحسد الحاسد إذا حسد . ومن يرد أن يعرف الولي بالتحقيق فينبغي أن يجلس على مقابلة الشيخ فإن حصل له الجمعية وزال عنه التفرقة أونَقصَ فيعتقد ولايته ، وإن لم يحصل له التميز ، فينبغي أن يدخل وقت سكوت الشيخ ويجلس مقابلة الشيخ فيتوجه إلى الباطن فإن نقص شيء من الخواطر والوسواس فيعرف أنه ولي.وكذا من علاماته أن لا يرغب في مفارقة مجلسه بل يحب مجالسته ومؤانسته وإن لم ير جهة المحبة والمؤانسة . قال خوجة أبو علي راميتني قدس الله سره : إذا أصبحت مع أحد وما انعدم منك شيء من بشريته فاجتنب صحبته ، وإلا فلا يعفون عنك المشايخ ، فالشيخ هو الذي بقوّة تصرفه ترتفع ظلمات البشرية عن قلب المريد ، وتثبت أنوار الجمال الإلهي، فبسببه يحصل للمريد طلب الذات الأحدية ، فتحويل القلب عن الطلب الأدنى إلى الطلب الأقصى على الشيخ ، وترك الدنيا وكسبها على المريد ، وانصراف الرغبة عنها على الشيخ أيض . وقيل : الشيخ يحيي ويميت ، أي يميت الهوى والنفس البشرية ، ويحيي القلب بذكر الله أو بشهوده تعالى وتقدس . وقيل : الشيخ هو الذي تكون الأرض كلها في نظره كالسمسمة على ظفره . فينبغي للشيخ أن لا يأمر المريدين إلا بعمل العزيمة الذي يكون في الكتاب والسنة ، وتثبت بالإجماع والقياس من الأئمة المجتهدين ، حتى يحصل لهم المحبة إلى الذات الأحدية ، لأنه بلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفتح الله تعالى باب محبته الذات أبدا كما جاء في الآية الكريمة :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فلا يكون مقام أكبر وأعظم من هذا.اللهم أمتع الطالبين بميامن أنفاسهم الشريفة ونوّر قلوبهم بأنوار بركاتهم المنيفة.
فاعلم كما يكون رعاية الآداب على المريدين لازما ، كذلك أيضا أدب المريد على الشيخ لازما ، فأدب الشيخ على المريد أن يكون في الإرادة صادقا ويكون كالميت في يد الغسال ، وأدب المريد على الشيخ أن لا يتغال على حاله وأن لا يسامحه في النصيحة والترغيب والترهيب .