الإرادة حلية العوام، وهي تجريد القصد إلى الله تعالى، وجزم النية والجد في الطلب له، وذلك في طريق الخواص نقص وتفرق ورجوع إلى الأسباب والنفس، فإن إرادة العبد عين حظه، وهو رأس الدعوى، وإنما الجمع والوجود فيما يراد بالعبد من الله، لا فيما يريد، قال تعالى: ﴿وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾، فيكون مراده ما يراد به مما ورد الشرع بإرادته، واختياره ما يختار له بالشرع، إذ لا اختيار للعبد مع سيِّده، ولا إرادة له مع إرادته فيما شرع، كما قيل:
أريد وصاله ويريد هجري
فأترك ما أريد لما يريد
وحكي عن بعض المشايخ أنه قال :(أوقفني الحق بين يديه سبحانه ثم قال لي : أتريد التحف ؟ قلت لا . قال أتريد الطرف ؟ فقلت لا . قال أفتريد الغرف ؟ قلت لا . فما تريد ؟ قلت أريد أن لا أريد ، فإن إرادتي لا تساوي شيئاً ، لأني جاهل من كل الوجوه وأنت يارب عالم بكل الوجوه . فاختر لي ما تعلم أن فيه الخيرة ، ولا تجعل تدميري فيما فيه اختياري وتدبيري (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ).
وحكي عن أبي يزيد رضي الله عنه أنه قال : (ركبت مركبة الصدق حتى بلغت الهوى ، ثم ركبت مركب الشوق حتى بلغت السماء ، ثم ركبت مركب المحبة حتى بلغت سدرة المنتهى فنوديت : يا أبا يزيد ما تريد ؟ قلت أريد أن لا أريد لأني أنا المراد وأنت المريد . فقيل الآن بلغت المراد) .
فصحة الإرادة بذل الوسع واستفراغ الطاقة مع ترك الاختيار والسكون تحت مجاري الأقدار . كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء .