اعلم أن هذا القول وإن كان ابتداؤه النفي فالمراد به غاية الاثبات، ونهاية التحقيق، فإن قول القائل: لا أخ لي سواك، ولا معين لي غيرك، أكد من قولهم: أنت أخي، وانت معيني ، وقد روي في الخبر أن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة . وروي عنه صلى صلى الله عليه وسلم أنه قال :"من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة" وروي في الخبر"مفتاح الجنة لا إله إلا الله" وإنما يكون العبد قائلاً في الحقيقة لا إله إلا الله إذا كان قائلاً بقلبه لأن الكلام المخلوق محله القلب وذلك معلوم من مذهب أهل الحق . وكذلك من طريقة أهل الله ، قال الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وإنما يكون قائلاً لا إله إلا الله بقلبه إذا كان عارفاً بربه . وكل الناس يحملون قوله صلى الله عليه وسلم :"من قال لا إله إلا الله" مخلصاً على أنه أراد أنه إذا مات على الإخلاص . وأهل الإشارة قالوا إذا كان مخلصاً في مقالته . كان داخلاً في الجنة في حالته . قال الله تعالى :"وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ" قيل جنة معجلة وهي حلاوة الطاعات ، ولذاذة المناجاة ، والاستئناس بفنون المكاشفات . وجنة مؤجلة ، هي فنون المثوبات وعلو الدرجات .
ولقد أحسن من قال : لا وحشة مع الله ولا راحة مع غير الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا راحة للمؤمن دون لقاء الله) وأن العارف لا جلوة له إلا في خلوته ولا راحة له إلا في مناجاته على بساط قربته . قال قائلهم :
إذا تمنى الناس روحاً وراحة تمنيت أن ألقاك يا عز خالياً
وأما أقاويل المشايخ في هذه الكلمة فقد قال بعضهم : إنه نفي ما يستحيل كونه وإثبات ما يستحيل فقده، ومعنى هذا أن يكون الشريك له سبحانه محالاً وتقدير العدم لوجوده مستحيلاً.
وقال بعض المشايخ مجيبا لمن قال له لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله؟ فقال:" نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب"، وكان الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول:" إنما قول لا إله إلا الله لاستصفاء الأسرار عن الكدورات لأنه إذا قال العبد لا إله إلا الله صفا قلبه وحضر سره ليكون ورود قوله: "الله" على قلب منقى وسر مصفى" ، وقال رجل للشبلي: "يا أبا بكر لم تقول الله الله ولا تقول لا إله إلا الله" فقال: لا أنفي له ضداً فصاح وقال:" أريد أعلى من ذلك"، فقال:" أخشى أن أوخذ في وحشة الجحد"، فقال الرجل:" أريد أعلى من ذلك"، فقال: قال الله تعالى: "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" فزعق الرجل وخرجت روحه ، فتعلق أولياء الرجل بالشبلي وادعوا عليه دمه وحملوه إلى الخليفة فخرجت الرسالة إلى الشبلي من عند الخليفة فسألوه عن دعواهم فقال الشبلي:"روح صفت فرنت فدعيت فأجابت فما ذنبي"، فصاح الخليفة من وراء الحجاب خلوه فلا ذنب له.
وقيل فمعنى قوله"لا إله إلا الله" مفتاح الجنة: أن العبد إذا كان مطيعاً كان داره في الجنة أشد عمارة وأكثر زينة وإذا عصى كان لا يعمر داره ولا يزول ملكه ولا يسلب مفتاح الدار ممن لا يعمرها فكذلك ما دام العبد مخلصاً في قول لا إله إلا الله كان من أهل الجنة.
** ** **
لا إلـٰه إلا الله
ردحذف